للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المعدة للإنسان، وقوله: {لَبَنًا}: مفعول ثان لـ {نُسْقِيكم}؛ أي: نسقيكم من بين فرثها ودمها لبنًا، {خَالِصًا}؛ أي: صافيًا ليس عليه لون الدم ولا رائحة الفرث {سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}؛ أي: سهل المرور في حلوق الشاربين له، حالة كونه بعض ما في بطون الأنعام، وقرأت فرقة {سَيِّغًا} بوزن هين، وقرأ عيسى بن عمر: {سَيْغًا} مخففًا من سيغ كهين المخفف من هين، ذكره في "البحر"، قيل: لم يُغَص أحدٌ باللبن قط وليس في الطعام والشراب أنفع منه، ألا ترى إلى قوله عليه السلام: "إذا أكل أحدكم طعامًا ... فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرًا منه، وإذا شرب لبنًا .. فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، فإني لا أعلم شيئًا أنفع في الطعام والشراب منه".

قال في "الكواشي" (١): المعنى خلق الله اللبن في مكان وسط بين الفرث والدم، وذلك أن الكرش إذا طبخت العلف .. صار أسفله فرثًا، وأوسطه لبنًا خالصًا لا يشوبه شيء، وأعلاه دمًا، وبينه وبينهما حاجزٌ من قدرة الله تعالى، لا يختلط أحدهما بالآخر بلون ولا طعم ولا رائحة، مع شدة الإتصال، ثم تسلط الكبد على هذه الأصناف الثلاثة تقسمها: فتجري الدم في العروق، واللبن في الضروع، ويبقى الفرث في الكرش، ثم ينحدر.

فإن قلت (٢): إن الدم واللبن لا يتولدان في الكرش، إذ البهائم إذا ذبحت لم يوجد في كرشها لبنٌ ولا دم.

قلتُ: المراد كان أسفله مادة الفرث، وأوسطه مادة اللبن، وأعلاه مادة الدم، فالمنحدر إلى الضروع مادة اللبن لا مادة الدم، وقول بعضهم: إن الدم ينحدر إلى الضروع فيصير لبنًا ببرودة الضرع، بدليل أن الضرع إذا كانت فيه آفة .. يخرج منه الدم مكان اللبن، مدفوعٌ بأنه يجوز أن يتلون اللبن بلون الدم بسبب الآفة، وهو اللائح بالبال، ومن بلاغات الزمخشري:

كما يحدث بين الخبيثين ابنٌ لا يؤبن ... الفرث والدم يخرج منهما اللبن


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.