للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم فسر سبحانه ما أوحى به إليها بقوله: {أَنِ اتَّخِذِي}؛ أي: بأن اتخذي لنفسك، فأن مصدرية، وأتى (١) بصيغة التأنيث لأن النحل يذكر ويؤنث {مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا}؛ أي: أوكارًا ومساكن تأوي إليها، وتسمي ما تبنيه لتعسل فيه بيتًا تشبيهًا ببناء الإنسان، لما في بيوته المسدسة المتساوية بلا بركارٍ ولا مسطر من الحذاقة وحسن الصنعة، التي لا يقوى عليها حذاق المهندسين إلا بآلات وأنظار دقيقة.

و {مِنَ} (٢) للتبعيض، لأنها لا تبني في كل جبل، وكذا قوله: {وَمِنَ الشَّجَرِ} لأنها لا تبني في كل شجر، وكذا في قوله: {وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} لأنها لا تبني في كل ما يعرشه الناس؛ أي: يرفعه من الأماكن لتعسل فيها، وهذا إذا كان لملاكٍ، وقال بعضهم: ومما يعرشون من كرم أو سقفٍ أو جدران أو غير ذلك، والظاهر أن {مِنَ} بمعنى في، إذ لا معنى لكونها تبني من بناء الناس، بل الظاهر أنها تبني في بنائهم، ويكون المراد من بنائهم الكوار، ومن بنائها بيتها الذي تمج فيه العسل، فإن المشاهد أنها تبني لها بيتًا داخل الخلية من الشمع، ثم تمج فيه العسل شيئًا فشيئًا.

والمعنى: أي اجعلي لك بيوتًا في الجبال تأوين إليها، أو في الشجر، أو فيما يعرش الناس ويبنون من البيوت والسقف والكروم ونحوها، وقرأ السلمي وعبيد بن نضلة وابن عامر وأبو بكر عن عاصم: بضم الراء في {يعرشون}، وباقي السبعة: بكسرها، وهما لغتان، يقال يعرش بالكسر، ويعرش بالضم، مثل يعكف ويعكف ذكره في "البحر".

٦٩ - ولما كان أهم شيء للحيوان بعد الراحة من هم المقيل الأكل ثنى به، ولما كان عامًّا في كل ثمر .. ذكره بحرف التراخي، إشارة إلى عجيب الصنع في ذلك وتيسره لها، فقال: {ثُمَّ كُلِي}، وأشار إلى كثرة الرزق بقوله: {مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} فيها للتكثير؛ أي: ثم كلي أيتها النحل من كل ثمرة تشتهينها حلوة أو حامضة أو مرة، أو غير ذلك، فهو عام مخصوص بالعادة.


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.