للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فالتّبيان (١) أخص من مطلق البيان، على القاعدة: أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى غالبًا، {لِكُلِّ شَيْءٍ} يتعلق (٢) بأمور الدين، ومن ذلك أحوال الأمم مع أنبيائهم، أو لكل (٣) شيء يحتاج إليه الناس من أمر الشريعة، إما بتبيينه في نفس الكتاب، أو بحالته على السنة، لقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} أو بإحالته على الإجماع كما قال: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} الآية، أو على القياس كما قال: {فاعتبروا يا أولي الأبصار}، والاعتبار النظر والاستدلال اللذان يحصل بهما القياس، فهذه أربعة طرق لا يخرج شيء من أحكام الشريعة عنها، وكلها مذكورة في القرآن بقوله: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}: فاندفع ما قيل كيف قال الله سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}: ونحن نجد كثيرًا من أحكام الشريعة لم يعلم بالقرآن نصًّا، كعدد ركعات الصلاة، ومدة المسح، والحيض، ومقدار حد الشرب، ونصاب السرقة وغير ذلك، ومن ثم اختلفت الأئمة في كثير من الأحكام. اهـ "كرخي".

{و} حالة كونه {هدى} للعباد؛ أي: هاديًا لهم من طريق الضلال إلى طريق الرشاد، {و} حالة كونه {رحمة} للعالمين إنسهم وجنهم، فإنَّ حرمان الكفرة من مغانم آثار الكتاب من تفريطهم، لا من جهة الكتاب، {وبشرى}؛ أي: بشارةً بالجنة {للمسلمين} خاصة؛ لأنهم المنتفعون بذلك، فهو متعلق بالبشرى، وهو متعلق من حيث المعنى بهدىً ورحمةً أيضًا.

والمعنى (٤): أي ونزلنا عليك أيها الرسول هذا القرآن تبيانًا لكل ما بالناس إليه حاجةٌ، من معرفة الحلال والحرام، والثواب والعقاب، والهدى من الضلالة، ورحمة لمن صدق به وعمل بما فيه من حدود الله وأمره ونهيه، فأحل حلاله وحرم حرامه، وبشرى لمن أطاع الله وأناب إليه بجزيل الثواب في الآخرة وعظيم الكرامة.


(١) الفتوحات.
(٢) روح البيان.
(٣) الفتوحات.
(٤) المراغي.