للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السالفة أن قريشًا كفروا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقولوا عليه الأقاويل، فوصفوه بأنه مفتر، وأن الكتاب الذي جاء به هو من كلام البشر لا من عند الله، ثم هدّدهم على ذلك أعظم تهديد .. أردف ذلك ببيان حال من يكفر بلسانه وقلبه مليء بالإيمان.

قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (١) فيما سلف حال من كفر بالله من بعد إيمانه، وحكم بأنه استحق غضب الله وعذابه الأليم يوم القيامة، ثم ذكر حال من أكره على إجراء كلمة الكفر على لسانه وقلبه مليءٌ بالإيمان .. أردف ذلك بذكر طائفة من المسلمين كانوا مستضعفين بمكة مهانين في قومهم، فوافقوا المشركين على الفتنة في الدين والرجوع إلى دين أبائهم وأجدادهم، ثم فروا وتركوا بلادهم وأهليهم ابتغاء رضوان الله وطلب غفرانه، وانتظموا في سلك المسلمين وجاهدوا معهم الكافرين فحكم ربهم بقبول توبتهم، ودخولهم في زمرة الصالحين، وتمتعهم بجنات النعيم يوم العرض والحساب.

قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما هدد الكافرين بالعذاب الشديد في الآخرة .. أردف ذلك الوعيد بآفات الدنيا من جوع وفقر وخوف شديد، بعد أمن واطمئنان وعيش رغد.

قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ الله ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين (٢) حال من كفروا بأنعم الله، وكذبوا رسوله، وأنه قد حل بهم العذاب من جوع وخوف، بسبب ظلمهم لأنفسهم، وصدهم عن سبيل الله .. قفى على ذلك بأمر المؤمنين بأكلهم من الحلال الطيب، وشكرهم لنعمة الله عليهم، وطاعتهم للرسول فيما به أمر وعنه نهى، كيلا يحل بهم مثل ما حل بمن قبلهم، ثم بين ما حرمه من المآكل، وأنَّ التحليل والتحريم لا يكونان إلا بنص من الدين، لا بالهوى


(١) المراغي.
(٢) المراغي.