للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فرد الله تعالى عليهم وكذبهم في قيلهم، فقال: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ} مبتدأ وخبر، وكذا ما بعده، والإلحاد الإمالة عن الصواب، من ألحد فلان إذا مال قوله عن الصواب، والأعجمي هو الذي لا يفصح، وإن كان عربيًّا، والعجمي هو المنسوب إلى العجم، وإن كان فصيحًا كما سيأتي، والمعنى لغة البشر والرجل الذي يميلون إليه القول عن الاستقامة، ويشيرون إليه أنه يعلم محمدًا أعجمية غير بينة، {وَهَذَا} القرآن الكريم {لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}؛ أي: لغةٌ عربيةٌ ذات بيان وفصاحة، فكيف يصدر تعليم محمَّد عن أعجم، يعني أن القرآن معجز بنظمه، كما أنه معجز بمعناه، لاشتماله على الإخبار عن الغيب، فإن زعمتم أن بشرًا يعلمه معناه، فكيف يعلمه هذا النظم الذي أعجز جميع أهل الدنيا، لا يقول هذا من له أدنى مسكة من عقل.

وخلاصة هذا (١): أن ما يسمعه محمَّد من ذلك البشر كلام أعجمي لا يفهمه هو ولا أنتم، والقرآن كلام عربي تفهمونه بأدنى تأمل، فكيف يكون هو ما تلقفه منه، هبه تعلم منه المعنى باستماع كلامه، فهو لم يلقف منه اللفظ؛ لأنَّ ذلك أعجمي وهذا عربي، والقرآن كما هو معجز باعتبار المعنى، هو معجز من حيث اللفظ، إلا أن العلوم الكثيرة التي في القرآن لا يمكن تعلمها إلا بالدرس، والتلقين من أخصائيين مع الاختلاف إليهم مددًا متطاولة، فليس من الميسور ولا مما يجد العقل اطمئنانًا إليه أن يتعلم مثل هذا من غلام سوقي، سمع منه أخبارًا بلغة أعجمية، لعله لم يكن يعرف معناها، وعلى نحو آخر كأنه قيل لهم أنتم أفصح الناس بيانًا، وأقواهم حجة وبرهانًا، وأقدرهم على الكلام نظمًا ونثرًا، وقد عجزتم وعجز جميع العرب أن يأتوا بمثله، فكيف تنسبونه إلى أعجمي ألكن؟ وفي التشبث بأمثال هذه المطاعن الركيكة والخرافات الساذجة أبلغ دليل على أنهم بلغوا غاية العجز ونهاية السخف:

فدعهم يزعمون الصبح ليلًا ... أيعمى الناظرون عن الضياء


(١) المراغي.