للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرأ الحسن (١): {اللسان الذي} بتعريف اللسان بأل، والذي صفتُه، وقرأ حمزة والكسائي: {يُلْحِدُونَ} بفتح الياء والحاء من لحد ثلاثيًّا، وهي قراءة عبد الله بن طلحة والسلمي والأعمش ومجاهد، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وابن القعقاع: {يُلْحِدُونَ} بضم الياء وكسر الحاء من ألحد رباعيًّا، وهما بمعنى واحد.

١٠٤ - ثم توعدهم على ما قالوا بالعقاب في الدنيا والآخرة فقال: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} سبحانه وتعالى؛ أي: لا يصدقون بأن هذه الآيات من عند الله سبحانه وتعالى، بل يقولون فيها ما يقولون، فيقولون تارة إنها مفتريات، ويقولون أخرى إنها من أساطير الأولين، {لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ}، سبحانه وتعالى ولا يرشدهم إلى معرفة الحق الذي ينجيهم من عذاب النار، لما يعلم من سوء استعدادهم بما اجترحوا من السيئات، ودنسوا به أنفسهم من ارتكاب الموبقات، {وَلَهُمْ} في الآخرة إذا وردوا إلى ربهم {عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ أي: مؤلم موجع، كفاء ما نصبوا له أنفسهم من العداء لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، والتكذيب لآيات الكتاب، ولما نسبوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإفتراء بقولهم: {إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ}

١٠٥ - ردَّ الله عليهم بقوله: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ} ويختلقه، والتصريح (٢) بالكذب للمبالغة في بيان قبحه، والفرق بين الافتراء والكذب أن الافتراء هو افتعال الكذب من قول نفسه، والكذب قد يكون على وجه التقليد للغير فيه، وفاعل يفتري هو قوله: {الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} لأنه لا يترقب عقابا عليه ليرتدع عنه، وأما من يؤمن بها ويخاف ما نطقت به من العقاب فلا يمكن أن يصدر عنه افتراء ألبتة؛ أي: إنما يتخرص الكذب، ويتقول الباطل الذين لا يصدقون بحجج الله وآياته، التي نصبها في الكون، وأقامها أدلة على وجوده ووحدانيته، لأنهم لا يرجون على الصدق ثوابًا، ولا يخشون على الكذب عقابًا، وهذه صفاتكم أيها المشركون، لا صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين.


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.