للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الرسول مع علو طبقتك، وسمو مرتبتك، وما في {ثُمَّ} من التراخي (١) في الرتبة للتنبيه على أنَّ أجلَّ ما أوتي إبراهيم اتباع الرسول ملته؛ أي: أوحينا إليك يا محمَّد وقلنا لك: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} الحنيفية المسلمة البريئة من عبادة الأوثان والأنداد التي يعبدها قومك، كما تبرأ إبراهيم من مثلها من قبل، فأنت متبع له، وسائرٌ على طريقته، وقومك ليسوا كذلك، لأنهم يحللون ويحرمون من عند أنفسهم، وانتصاب (٢) {حَنِيفًا} على الحال من إبراهيم، وجاز مجيءٌ الحال منه لأنَّ الملة كالجزء منه، وقد تقرر في علم النحو أنَّ الحال من المضاف إليه جائزٌ إذا كان يقتضي المضاف العمل في المضاف إليه، أو كان يزعم أو كالجزء.

أي: أوحينا إليك باتباع ملَّة إبراهيم (٣) في كيفية الدعوة إلى التوحيد، وهو أن يدعو إليه بطريق الرفق والسهولة، وإتيان الدلائل مرةً بعد أخرى، بأنواع كثيرة على ما هو الطريقة المألوفة في القرآن حالة كون إبراهيم {حَنِيفًا}؛ أي: مائلًا من الباطل إلى الحق {و} الحال أنه {مَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} بل كان قدوة الموحدين، وهو تكريرٌ لما سبق لزيادة تأكيد، وتقريرٌ لنزاهته - عليه السلام - عمَّا هم عليه من عقيدةٍ وعملٍ.

١٢٤ - ثم نعى على اليهود ما اختلفوا فيه، وهو يوم السبت فقال: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ}؛ أي (٤): إنما جعل وبال يوم السبت، وهو المسخ قردةً {عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ}؛ أي: في السبت فأحلوا الصيد فيه تارةً، وحرَّموه أخرى، وكان من الحتم عليهم أن يتفقوا فيه على كلمةٍ واحدةٍ، بعد أن أمروا بالكف عن الصيد فيه، كما أنَّ وبال التحريم والتحليل من المشركين من عند أنفسهم واقعٌ عليهم لا محالة، وقرأ الحسن وأبو حيوة: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ} بفتح الجيم والعين، و {السَّبْتُ} بنصب التاء والفاعل ضمير الله، أو المعنى إنما جعل السبت؛ أي: إنما (٥) فرض تعظيم يوم السبت والتخلِّي فيه للعبادة، وترك الصيد، فتعدية جعل


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراح.
(٤) المراغي.
(٥) روح البيان.