للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التفسير وأوجه القراءة

٣٤ - {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ} فضلًا عن أن تتصرّفوا فيه، والخطاب فيه لأولياء اليتيم {إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}؛ أي: إلا بالخصلة، والطريقة التي هي أحسن الخصال، والطرائق، وهي حفظه واستثماره، وإرباحه {حَتَّى} غاية لجواز التصرف على الوجه الأحسن المدلول عليه بالاستثناء {يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}؛ أي: قوّته؛ أي: خمس عشرة سنة، أو ثماني عشرة سنة، وهو مفرد جاء على وزن الجمع كآنك، ولا نظير لهما كما في «القاموس» والمراد (١) ببلوغ الأشد كمال عقله، ورشده، بحيث يمكنه القيام بمصالح ماله، وإلا لم ينفك عنه الحجر، والمعنى؛ أي: لا تقربوا مال اليتيم، ولا تتصرفوا فيه إلا بالطريق التي هي أحسن الطرق، وهي طريقة حفظه وتثميره، بما يزيد به حتى يبلغ اليتيم أشده، وتستحكم قوة عقله وشبابه، فإذا بلغ أشده، واستحكم عقله، كان لكم أن تدفعوه إليه، أو تتصرفوا فيه بإذنه؛ لأنه إذ ذاك يمكنه القيام على ماله بما فيه المصلحة، ولمّا نزلت هذه الآية اشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكانوا لا يخالطون اليتامى في طعام، ولا في غيره، فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} فكانت لهم فيها رخصةٌ، ونظير الآية قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافًا وَبِدارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}.

وبعد أن نهى عن الزنا والقتل، وأكل مال اليتيم .. أتبعها بثلاثة أوامر: فقال: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ}، أي (٢): أتموا بالعهد سواء جرى بينكم وبين ربكم، أو بينكم وبين غيركم من الناس، أي وأوفوا بما عاهدتم الله عليه من التزام ما كلفكم به، وما عاهدتم الناس عليه من العقود التي تتعاملون بها في البيوع، والإجارة، ونحوها، قال الزجاج: كل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد، ويدخل في ذلك ما بين العبد وربّه، وما بين العباد بعضهم مع بعض، والوفاء به: القيام بحفظه على الوجه الشرعيِّ، والقانون المرضيّ {إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا}


(١) الخازن.
(٢) المراغي.