للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أو حالة (١) كونه من الأحكام المحكمة التي لا يتطرق إليها النسخ، والفساد {وَلا تَجْعَلْ} أيها المكلف {مَعَ اللَّهِ} سبحانه وتعالى {إِلهًا آخَرَ فَتُلْقى}؛ أي: ترمى {فِي} نار {جَهَنَّمَ} حالة كونك {مَلُومًا} عند نفسك وعند الناس وعند الملائكة {مَدْحُورًا}؛ أي: مطرودًا مبعدًا من رحمة الله تعالى، ومن كل خير، كرر هذه (٢) الآية مع ما سلف للتنبيه على أن التوحيد رأس الدين، ورأس الحكمة، وهو مبتدأ الأمر، ومنتهاه، وقد رتب عليه أولًا آثار الشرك في الدنيا، فقال: {فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا} ورتّب عليه هنا نتيجته في العقبى فقال: {فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} وقد علمت فيما تقدم لك أنّ مثل هذا الخطاب إما موجهٌ إلى الإنسان عامة، وإما إلى الرسول خاصةً، والمراد أمته، والكلام من وادي قولهم: إياك أعني واسمعي يا جارة.

فائدة: والفرق (٣) بين المذموم والملوم، وبين المخذول والمدحور، أن المذموم معناه: من يذكر له أنّ الفعل الذي أقدم عليه قبيحٌ ومنكرٌ، وأنّ الملوم معناه من يقال له لم فعلت هذا الفعل القبيح، وما الذي حملك عليه، وهذا هو اللوم، وأنّ المخذول هو: الضعيف الذي لا ناصر له، والمدحور هو: المبعد المطرود عن كل خير،

٤٠ - ولمّا أمر بالتوحيد، ونهى عن إثبات الشريك لله، أتبعه بذكر فساد طريقة من أثبت الولد له تعالى، فقال: {أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ}، والخطاب (٤) فيه للقائلين بأن الملائكة بنات الله. وكان المشركون يستنكفون من البنات، فيختارون لأنفسهم الذكور، ومع ذلك ينسبون إليه تعالى الإناث، فأنكر الله ذلك منهم.

و {الهمزة} فيه للاستفهام التوبيخي المضمن للإنكار، داخلةٌ على محذوف، و {الفاء} عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أفضّلكم ربكم على جنابه ونفسه أيها المشركون، فأصفاكم واختاركم، وخصّكم بالبنين، أفضل الأولاد {وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثًا}؛ أي: واختار لنفسه من الملائكة إناثًا التي هي أخس الأولاد


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن بتصرف.
(٤) روح البيان.