للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عن كتاب الله، إذا سمعوه، وإيذاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونسبته إلى أنه مسحور، وإنكار البعث، كان ذلك مدعاة لإيذاء المؤمنين، ومجلبة لبغض المؤمنين إياهم، ومعاملتهم بما عاملوهم ... فأمر الله تعالى نبيّه أن يوصي المؤمنين بالرفق بالكفار، واللطف بهم في القول، وأن لا يعاملوهم بمثل أفعالهم وأقوالهم، فعلى هذا يكون المعنى: قل لعبادي المؤمنين يقولوا للمشركين الكلم التي هي أحسن، وقيل: المعنى: يقولوا؛ أي: يقول بعض المؤمنين لبعض الكلم التي هي أحسن؛ أي: يعظّم بعضهم بعضًا.

وعبارة المراغي (١) هنا قوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لما أقام الحجج على إبطال الشرك فقال: {قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ} الآية، وذكر الأدلة على صحّة البعث، والجزاء .. فقال: {قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ....}.

أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر عباده المؤمنين بأن يحاجوا مُخَالفيهم، ويجادلوهم باللين، ولا يغلّظوا لهم في القول، ولا يشتموهم، فإنّ الكلمة الطّيّبة تجذب النفوس، وتميل بها إلى الاقتناع، كما يعلم ذلك الذين تولوا النصح والإرشاد من الوعاظ، والساسة، والزعماء في كل أمة، ثمّ ذكر من الكلمة الطيبة أن يقول لهم: ربكم العليم بكم إن شاء عذبكم، وإن شاء رحمكم، ولا يصرح بأنهم من أهل النار؛ فإنّ ذلك مما يهيّج الشرّ، مع أن الخاتمة مجهولة لا يعلمها إلا الله سبحانه، ثم بيّن لرسوله أنه لا يقسر الناس على الإسلام، فما عليه إلا البلاغ، والإنذار، والله هو العليم بمن في السموات والأرض، فيختار لنبوته من يشاء، ممن يراه أهلًا لذلك، وأولئك الأنبياء ليسوا سواءً في مراتب الفضل والكمال، وأفضلهم محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته.

قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا (٥٦) ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنها (٢) عود على بدء في تسفيه آراء المشركين الذين كانوا يعبدون الملائكة، والجنّ والمسيح، وعزيرًا؛ إذ رد عليهم بأن من تدعونهم يبتغون إلى ربهم الوسيلة، ويخافون عذابه، ولا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، فادعوني وحدي لأني أنا المالك لنفعكم وضرّكم دونهم.


(١) المراغي.
(٢) المراغي.