للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم بيّن أنّ قرى الكافرين صائرة إما إلى الفناء والهلاك بعذاب الاستئصال، وإمّا بعذاب دون ذلك من قتل كبرائها، وتسليط المسلمين عليهم بالسّبي، واغتنام الأموال، وأخذ الجزية، ثمّ أردف ذلك ببيان أنه ما منعه من إرسال الآيات التي طلب مثلها الأولون كقولهم: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا ...} إلخ. إلا أنّه لو جاء بها، ولم يؤمنوا .. لأصابهم عذاب الاستئصال كما أصاب من قبلهم، أو لم ينظروا إلى ما أصاب ثمود حين كذبوا بآيات ربهم، وعقروا الناقة، ثم قفّى على ذلك بأن الله حافظه من قومه، وأنه سينصره، ويؤيّده، ثمّ أتبع ذلك بأنّ أمر الإسراء كان فتنةً للناس وامتحانًا لإيمانهم، كما كان ذكر شجرة الزقوم في قوله: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤)} كذلك ثم تلا هذا بذكر تماديهم في العناد، وأنه كلما خوّفهم وأنذرهم، ازدادوا تماديًا، وطغيانًا، فلو أنزل عليهم الآيات التي اقترحوها .. لم ينتفعوا بها، ومن ثم أجّل عذابهم إلى يوم الوقت المعلوم.

قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها من وجهين (١):

أحدهما: أنه لمّا نازعوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - في النبوة، واقترحوا عليه الآيات، كان ذلك لكبرهم وحسدهم للرسول - صلى الله عليه وسلم - على ما آتاه الله من النبوة، والدرجة الرفيعة .. فناسب ذكر قصة آدم عليه السلام وإبليس حيث حمله الكبر والحسد على الامتناع من السجود.

والثاني: أنه لما قال: {فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيانًا كَبِيرًا} بيّن سبب هذا الطغيان، وهو قول إبليس {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}.

وعبارة المراغي هنا: مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لمّا ذكر (٢) أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان في محنة في قومه، إذ كذبوه وتوعَّدوه حين حدَّثهم بالإسراء، وشجرة الزقوم، وأنهم نازعوه، وعاندوه، واقترحوا عليه الآيات حسدًا


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.