للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للإنسان بقوله: {إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ} في قديم الزمان {لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِينًا}؛ أي: ظاهر العداوة؛ أي: إن بين الشيطان والإنسان عداوة قديمةً، مستحكمة لا يريد صلاحهم أصلًا، بل يريد هلاكهم، وقد أبان عداوته، إذ أخرج أباهم من الجنة، ونزع عنه لباس النور، كما قال تعالى حكايةً عن الشيطان: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ} وقال: {كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ}.

وقرأ طلحة (١): {ينزغ} بكسر الزاي. قال أبو حاتم: لعلها لغة، والقراءة بالفتح، وقال صاحب «اللوامع» هي لغة، وقال الزمخشري هما لغتان، نحو: {يَعرِشون}، و {يَعرِشون}

٥٤ - ثم فسر سبحانه التي هي أحسن بما علمهم النصفة - من الإنصاف - بقوله: {رَبُّكُمْ} أيها المشركون {أَعْلَمُ بِكُمْ}، أي: بعاقبتكم منَّا {إِنْ يَشَأْ} سبحانه {يَرْحَمْكُمْ} بأن يوفّقكم للإيمان، والمعرفة إلى أن تموتوا فينجيكم من العذاب {أَوْ إِنْ يَشَأْ} سبحانه {يُعَذِّبْكُمْ} بأن يميتكم على الكفر فيعذّبكم، إلا أن تلك المشيئة غائبة عنكم، فاجتهدوا أنتم في طلب الدين الحق، ولا تصروا على الباطل، لئلا تصيروا محرومين من السعادات الأبدية.

والمعنى: أي (٢) ربكم أيها القوم هو العليم بكم، إن يشأ رحمتكم بتوفيقكم للإيمان، والعمل الصالح .. يرحمكم، وإن يشأ يعذّبكم بأن يخذلكم عن الإيمان فتموتوا على شرككم، وفي هذا إيماء إلى أنّه لا ينبغي للمؤمنين أن يحتقروا المشركين، ولا أن يقطعوا بأنهم من أهل النار، ويعيّروهم بذلك، فإن العاقبة مجهولة، ولا يعلم الغيب إلا الله، إلى أنّ ذلك مما يجر إلى توليد الضغينة في النفوس، بلا فائدة، ولا داع يدعو إليها، وهذا تفسير (٣) للتي هي أحسن، وما بينهما اعتراض؛ أي: قولوا لهم: هذه الكلمة، وما يشاكلها، ولا تصرّحوا بأنهم من أهل النار، فإنه مما يهيّجهم على الشر، هذا ما ذهب إليه صاحب «الكشاف»


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.