للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٥٧ - ثم إنه سبحانه أكد عدم اقتدارهم ببيان غاية افتقارهم إلى الله في جلب المنافع ودفع المضار، فقال: {أُولئِكَ} مبتدأ {الَّذِينَ يَدْعُونَ} صفته، وضمير الصلة محذوف؛ أي: يدعونهم وخبر المبتدأ {يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ}، والوسيلة القربة بالطاعة والعبادة؛ أي (١): أولئك الآلهة الذين يدعوهم المشركون من المذكورين، أعني: عيسى، ومريم وعزيرًا، يبتغون؛ أي: يطلبون لأنفسهم الوسيلة إلى ربهم؛ أي: القرب إلى ربهم بالطاعة والعبادة، و {أي}: في قوله تعالى: {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} موصولة بدل من (واو) {يَبْتَغُونَ}؛ أي: يبتغي الذي هو أقرب منهم إلى الله القرب إليه بالعبادة، والطاعة، فكيف بمن دونه من غير الأقرب، قال في «الكواشي»: أو {أَيُّهُمْ} استفهام مبتدأ خبره أقرب، والجملة معمول لمحذوف، والتقدير: يبتغون ويطلبون القرب إليه تعالى، لينظروا أيّ المعبودين أقرب إليه تعالى، فيتوسلوا به، والمعنى؛ أي (٢): هؤلاء الذين يدعوهم المشركون أربابا، وينادونهم لكشف الضر عنهم، يطلبون مجتهدين إلى ربهم، ومالك أمرهم القرب إليه بالطاعة والعبادة، {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ}؛ أي: إن أقرب أولئك المعبودين إلى الله يدعوه ويبتغي إليه الوسيلة، والقرب منه، وإذا كان العجز عن كشف الضر عنكم، والافتقار إلى ربكم شأن أعلاهم، وأدناهم .. فكيف تعبدونهم.

والخلاصة: آلهتهم أيضًا يطلبون القرب إليه تعالى {وَيَرْجُونَ} بفعلهم الطاعة، {رَحْمَتَهُ} تعالى {وَيَخافُونَ} بمخالفة أمره {عَذابَهُ} تعالى كدأب سائر العباد، فأين هم من كشف الضر؟ فضلا عن الإلهية، ثمّ ذكر العلّة في خوفهم من العذاب، فقال: {إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ} يا محمد {كانَ مَحْذُورًا}؛ أي: حقيقًا بأن يحذره كلّ أحد حتى الرسل والملائكة، فضلًا عن غيرهما، وإن لم يحذره العصاة لكمال غفلتهم بل يتعرضون له، وتخصيصه بالتعليل لما أنّ المقام مقام التحذير من العذاب، فعلى العاقل أن يترك الاعتذار، ويحذر من بطش القهار.

وقرأ الجمهور (٣): {يَدْعُونَ} بياء الغيبة، وابن مسعود، وقتادة بتاء


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.