للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعبارة المراغي هنا: مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لمّا ذكر (١) كيد الكفّار واستفزازهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخرجوه من أرضه، وسلّاه بما سلّاه به .. أمره بالإقبال على ربّه بعبادته، لينصره عليهم، ولا يبالي بسعيهم، ولا يلتفت إليهم، فإنه سبحانه يدفع مكرهم، وشرّهم، ويجعل يده فوق أيديهم، ودينه عاليا على أديانهم، ثمّ وعده بما يغبطه عليه الخلق أجمعون من المقام المحمود، ثمّ بيّن أن ما أنزل عليه من كتاب ربه فيه الشفاء للقلوب من الأدواء النفسية، والأمراض الاعتقادية، كما أنه يزيد الكافرين خسارة وضلالًا، لأنه كلّما نزلت عليه آية ازدادوا بها كفرًا وعتوًا.

قوله تعالى: {وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر تنويع ما أنزل من القرآن شفاء ورحمة للمؤمن، وبزيادة خسار للظالم .. عرّض بما أنعم به، وما حواه من لطائف الشرائع على الإنسان، ومع ذلك أعرض عنه، وبعّد بجانبه عنه اشمئزازًا له، وتكبرًا عن قرب سماعه، وتبديلًا مكان شكر الإنعام كفره.

قوله تعالى: {وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لما (٢) امتنّ على نبيه بما أنزل عليه من الكتاب، وذكر أنه شفاء للناس، وأنه ثبته عليه حين كادوا يفتنونه عنه، ثمّ أردفه بمسألة الروح اعتراضا، لأنّ اليهود والمشركين اشتغلوا بها عن تدبر الكتاب والانتفاع به، وسألوا تعنتا عن شيء لم يأذن الله بالعلم به لعباده .. امتنّ عليه ببقاء ذلك الكتاب، وحذّره من فتنة الضالين، وإرجاف المرجفين، وهو المعصوم من الفتنة، فإنّه لو شاء لأذهب ما بقلبه منه، ولكن رحمة بالناس تركه في الصدور، وفي هذا تحذيرٌ عظيم للهداة والعلماء، وهم غير معصومين من الفتنة بأن يباعد بينهم وبين هدي الدين بمظاهرتهم للرؤساء، والعامة، وتركهم العمل به اتباعا لأهوائهم، واستبقاء لودهم، وحفظًا لزعامتهم على الناس.


(١) المراغي.
(٢) المراغي.