للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: أكرم الرّجال باللحى، والنساء بالذوائب، ولا مانع من حمل التكريم المذكور في الآية على جميع هذه الأشياء، وأعظم (١) خصال التكريم العقل، فإنّ به تسلطوا على سائر الحيوانات، وميّزوا بين الحسن والقبيح، وتوسعوا في المطاعم، والمشارب، وكسبوا الأموال التي تسببوا بها إلى تحصيل أمور لا يقدر عليها الحيوان، وبه قدروا على تحصيل الأبنية التي تمنعهم مما يخافون، وعلى تحصيل الأكسية التي تقيهم الحر والبرد، وقيل: تكريمهم، هو: أن جعل محمدًا - صلى الله عليه وسلم - منهم.

{وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ} على الدواب والقطر والسيارات {وَ} في {الْبَحْرِ} على البواخر، والسفن وفي الهواء على الطائرات، والمطاود واحدها منطاد، وهذا تخصيص لبعض أنواع التكريم {وَرَزَقْناهُمْ}؛ أي: أعطيناهم {مِنَ الطَّيِّباتِ}؛ أي: من لذيذ المطاعم، والمشارب، وسائر ما يستلذونه وينتفعون به، {وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا} هم {تَفْضِيلًا} عظيمًا؛ أي: على كثير من الخلق بالغلبة، والشرف، والكرامة، فعليهم أن لا يشركوا بربهم شيئًا، ويرفضوا ما هم عليه من عبادة غيره من الأصنام والأوثان، والمراد بالكثير من عدا الملائكة عليهم السلام.

واعلم: (٢) أنّ الله سبحانه وتعالى قال في أوّل الآية: {وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ}، وفي آخرها {وَفَضَّلْناهُمْ} ولا بدّ من الفرق بين التكريم والتفضيل، وإلا لزم التكرار، والأقرب أن يقال في الفرق: أنّ الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان على سائر الحيوان بأمور خلقيّةٍ، ذاتية طبيعيةٍ، مثل: العقل والنطق، والخط، وحسن الصورة.

ثم إنه سبحانه عرّفه بواسطة ذلك العقل والفهم اكتساب العقائد الصحيحة، والأخلاق الفاضلة، فالأول: هو التكريم، والثاني: هو التفضيل.


(١) الشوكاني.
(٢) الخازن.