للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتعليم الناس ما يجب عليهم تعلُّمُه، ولكن طبيعة الملك لا تصلح للاجتماع بالبشر، فلا يسهل عليهم التخاطب والتفاهم معهم، لبعد ما بين الملك وبينهم، ومن ثم لم نبعث إليهم ملائكةً، بل بعثنا خواصّ البشر؛ لأنّ الله قد وهبهم نفوسًا زكيّة، وأيدهم بأرواح قدسية، وجعل لهم ناحيةً ملكيةً بها يستطيعون أن يتلقوا من الملائكة، وناحية بشرية بها يبلّغون رسالات ربهم إلى عباده.

وإجمال القول في ذلك: أنه لو جعل الرسل ملائكةً .. لما استطاع الناس التخاطب معهم، ولما تمكنوا من الفهم منهم، فلزم أن يجعلوا بشرا حتى يستطيعوا أداء الرسالة، كما قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكًا لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩)} وقد ثبت أن جبريل عليه السلام، جاء في صورة دحية الكلبيّ مرارًا عدة، فقد صح أنّ أعرابيًا جاء وعليه وعثاء السفر، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام، والإيمان، والإحسان، فأجابه عليه السلام بما أجابه، ثم انصرف، ولم يعرفه أحد من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم».

٩٦ - ثم ختم الكلام بما يجري مجرى التهديد فقال: {قُلْ} لهم يا محمد من جهتك {كَفى بِاللَّهِ} وحده {شَهِيدًا} على أني بلّغت ما أرسلت به إليكم، وأنّكم كذبتم وعاندتم، وقال: {بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}، ولم (١) يقل: بيننا تحقيقًا للمفارقة الكلية، وقيل: إنّ إظهار المعجزة على وفق دعوى النبي شهادة من الله له على الصدق.

أي قل (٢): إنّ الله تعالى لما أظهر المعجزة، وفق دعواي، كان ذلك شهادة منه على صدقي، ومن شهد له الله .. فهو صادق، فادعاؤكم أنّ الرسول يجب أن يكون ملكا تحكم منكم وتعنُّتٌ.

وخلاصة ذلك: أن الله شاهد عليَّ وعليكم، عالم بما جئتكم به، فلو كنت


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.