للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يسمعونَ ما يلذ لمسامعهم، ولا ينطقون بما يقبل منهم، كما قال: {وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (٧٢)} ثم من وراء ذلك {مَأْواهُمْ}؛ أي: المكان الذي يأوون إليه، ويسكنون فيه؛ أي: منزلهم ومسكنهم {جَهَنَّمُ}، والجملة في محل نصب على الحال، أو هي مستأنفة لا محل لها أي ثم بعد أن يتمّ حسابهم يكون منقلبهم ومصيرهم جهنم. {كُلَّما خَبَتْ} جهنم؛ أي: كلما سكن لهبها، بأن أكلت جلودهم، ولحومهم، ولم يبق ما تتعلق به وتحرقه {زِدْناهُمْ سَعِيرًا}؛ أي: زدناها لهبًا، وتوقدًا بهم، بأن نعيدهم إلى ما كانوا عليه فتستعر وتتوقد، وكأن هذا عقوبة لهم على إنكارهم الإعادة بعد الإفناء، بتكرارها مرة بعد أخرى، ليروها عيانا حيث أنكروها برهانًا، وأدغم التاء في {خَبَتْ} في زاي {زِدْناهُمْ} أبو عمرو، والأخوان، وورش، وأظهرها الباقون يقال: خبت النّار تخبو خبوًا، إذا خمدت، وسكن لهبها. قال ابن قتيبة: ومعنى {زِدْناهُمْ سَعِيرًا} تسعرًا، وهو التلهب فإن قلت: (١) إن في خبو النار تخفيفًا لعذاب أهلها، فكيف يجمع بينه وبين قوله: {لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ}؟.

قلت: إنّ المراد بعدم التَّخفيف أنَّه لا يتخلَّل زمان محسوسٌ بين الخبو والتسعر، وقيل: إنّها تخبو من غير تخفيف عنهم، من عذابها،

٩٨ - ثمّ بيّن علة تعذيبهم، لعله يرجع منهم من قضي بسعادته، فقال: {ذلِكَ} العذاب {جَزاؤُهُمْ} الذي أوجبه الله لهم، واستحقوه عنده، والباء في قوله: {بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا} للسببية؛ أي: بسبب كفرهم بها، فلم يصدقوا بالآيات التنزيلية، ولا تفكروا في الآيات التكوينية، واسم الإشارة مبتدأ، خبره، {جَزاؤُهُمْ} و {بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا} خبر آخر، ويجوز (٢) أن يكون {جَزاؤُهُمْ} مبتدأً ثانيًا، وخبره ما بعده، والجملة خبر المبتدأ الأول، {وَقالُوا} منكرين لقدرتنا أشدّ الإنكار {أَإِذا كُنَّا عِظامًا وَرُفاتًا}؛ أي: ترابًا رميمًا، و {الهمزة} فيه للاستفهام الإنكاري، و {خَلْقًا} في قوله: {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} مصدر من غير لفظه؛ أي: بعثًا جديدًا، أو حال؛ أي: مخلوقًا جديدًا.


(١) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.