للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

له راحةٌ لو أنَّ مِعْشَارَ جُودها ... على البرِّ كَان البرُّ أَنْدى من البحرِ

الراحة: باطن الكف، والمعشار بمعنى العشر.

وعبارة المراغي هنا: المراد من الإنفاق هنا: الفقر، كما أخرجه ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس، وروي نحوه عن قتادة، وإليه ذهب الراغب فقال: يقال: أنفق فلان إذا افتقر، وقال أبو عبيدة: أنفق، وأملق، وأعدم، وأصرم بمعنى.

أي: قل لهم أيها الرسول: لو أنكم تملكون التصرف في خزائن الله، لأمسكتم خشية الفقر؛ أي: خشية أن تزول وتذهب، مع أنها لا تفرغ ولا تنفد أبدًا، وقصارى ذلك، أنّكم لو ملكتم من الخير والنعم خزائن لا نهاية لها .. لبقيتم على الشح والبخل، وفي هذا إيماء إلى أن الله لا يجيبكم إلى ما طلبتم من نبيه - صلى الله عليه وسلم - من بساتين، وعيون تنبع، لا بخلا منه، ولكن اقتضت الحكمة أن يكون نظام الدنيا هكذا، ولا رقيّ للإنسان إلا على هذا المنوال، فهو يوسع الرزق على قوم، ويضيقه على آخرين، على مقتضى الحكمة والمصلحة، ومن ثمّ لم ينزل ما اقترحتموه.

{وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُورًا}؛ أي: بخيلًا منوعًا بطبعه، كما قال: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (٥٣) أي: لو أنّ لهم نصيبًا في ملك الله .. لما أعطوا أحدًا شيئًا، ولا مقدار نقير.

وإجمال المعنى (١): أن الله لم يجب محمدًا إلى ما طلبتم، لا هوانًا لنبيه، ولا لأنه ليس بنبي، ولا بخلًا - حاشاه - بل لحكمة منه، فربّما كانت وفرة العطاء إذا نزلت على غير وجهها مصايب على الناس، فأما أنتم فمنعكم يجري على طريق البخل، فلو سلّم لكم السموات والأرض، وادارستموها لم تفهموا إلا الإمساك، ومن ثمّ لا يسلمكم مفاتيح خزائنه، لئلّا تمسكوا المال لأنفسكم، ولا تنفعوا خلقه.


(١) المراغي.