للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: التكرير في قوله: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١) قَيِّمًا} فإنّ نفي العوج معناه: إثبات الاستقامة، وإنما جنح إلى التكرير: لفائدة منقطعة النظير، وهي التأكيد والبيان، فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة، مجمع على استقامته، ومع ذلك، فإن الفاحص المدقق قد يجد له أدنى عوج، فلما أثبت له الاستقامة، أزال شبهة بقاء ذلك الأدنى، الذي يدق على النظرة السطحية الأولى.

ومنها: المطابقة في هذه الآية فقد طابق سبحانه بين العوج، والاستقامة، فجاء الكلام حسنًا، لا مجال فيه لمنتقد.

ومنها: الطباق بين {يُبَشِّرَ} و {لِيُنْذِرَ} وبين {يَهْدِ} و {يُضْلِلْ} وبين {أَيْقاظًا} و {رُقُودٌ} وبين {ذاتَ الْيَمِينِ} و {ذاتَ الشِّمالِ}.

ومنها: نفي الشيء بإيجابه في قوله تعالى: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (٤) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} وله تسمية أخرى وهي عكس الظاهر، وهو من مستطرفات علم البيان، وهو أن تذكر كلامًا يدل ظاهره على أنه نفي لصفة موصوف، وهي نفي للموصوف أصلًا، ولقائل أن يقول: إنّ اتّخاذ الله ولدًا هو في حد ذاته محال، فكيف ساغ قوله: {ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ}؟

قلنا: إن الولد في حدّ ذاته محالٌ لا يستقيم تعلق العلم به، ولكنه ورد على سبيل التهكم، والاستهزاء بهم.

ومنها: الإطناب بذكر الخاص في قوله: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ} بعد ذكر العام في قوله: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} لشناعة دعوى الولد لله. وفيه من بديع الحذف، وجليل الفصاحة حذف المفعول الأول في قوله: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا}؛ أي: لينذر الكافرين بأسًا شديدًا، ثم ذكر المفعول الأول، وحذف الثاني في قوله {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (٤) أي: عذابًا شديدًا، فحذف العذاب لدلالة الأول عليه، وحذف من الأول المنذرين لدلالة الثاني