للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على جميع أفراد الجنس، وهمزة الاستفهام فيه للتقرير والإمكان بمعنى ما كان ينبغي أن تكفر، ولم كفرت بمن أوجدك من تراب أولًا {ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ}؛ أي: من منيّ في رحم أمك، ثانيًا، وهي مادتك القريبة {ثُمَّ سَوَّاكَ}؛ أي: جعلك معتدل الخلق والقامة حال كونك {رَجُلًا}؛ أي: إنسانًا ذكرًا بالغا مبلغ الرجال، قال في «القاموس» الرّجل: بضم الجيم وسكونها: معروف، وإنما هو إذا احتلم وشب.

والمعنى: أي (١) قال له صاحبه المؤمن واعظًا، وزاجرًا عمّا هو فيه من الكفر: أكفرت بالذي خلقك من التراب، إذ غذاء والديك من النبات والحيوان، وغذاء النبات من التراب والماء، وغذاء الحيوان من النبات، ثمّ يصير هذا الغذاء دما يتحول بعضه إلى نطفة يكون منها خلقك بشرًا سويًّا على أتم حال وأحكمه بحسب ما تقتضيه الحكمة، فهذا الذي خلقك على هذه الحال قادرٌ على أن يخلقك مرة أخرى.

والخلاصة: كيف تجحدون ربّكم، ودلالة خلقكم على وجوده ظاهرة جليّة، يعلمها كلّ أحد من نفسه، فما من أحد إلّا يعلم أنه كان معدومًا، ثمّ وجد، وليس وجوده من نفسه، ولا مستندًا إلى شيء من المخلوقات؛ لأنها مثله،

٣٨ - وقد أشار إلى ذلك بقوله: {لكِنَّا}؛ أي: لكن أنا لا أقول بمقالتك، بل أعترف بالوحدانية والربوبية، وأقول: {هُوَ}، أي: الشأن {اللَّهُ رَبِّي}؛ أي: مالكي وخالقي.

أصل {لكِنَّا} لكن (٢) أنا فحذفت الهمزة بنقل حركتها إلى نون لكن أو بدون نقل على خلاف القياس، فتلاقت النّونان، فكان الإدغام، وأثبت جميع القراء ألفها في الوقف، وحذفوها في الوصل غير ابن عامر، فإنه أثبتها في الوصل أيضًا لتعويضها عن الهمزة أو لإجراء الوصل مجرى الوقف، و {هُوَ}: ضمير الشأن مبتدأ خبره {اللَّهُ رَبِّي}، وتلك الجملة خبر (أنا) والعائد منها إليه ياء الضمير في


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.