للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمراد بهذا الكلام (١): تحضيضه على الإعتراف بأن جنّته، وما فيها بمشيئة الله تعالى، إن شاء أبقاها على حالها عامرة وإن شاء أفناها وجعلها خربةً؛ أي: هلا قلت ذلك اعترافًا بعجزك، وبأن ما تيسر لك من عمارتها، وتدبيرها، إنما هو بمعونته تعالى، وإقداره وفي الحديث «من رأى شيئًا فأعجبه، فقال: ما شاء الله، لا قوّة إلا بالله، لم تضرّه العين». وفي الحديث أيضًا «من رأى أحدًا أعطي خيرًا من أهل أو مالٍ فقال عنده: ما شاء الله لا قوة إلا بالله .. لم ير فيه مكروهًا».

والمعنى: أي وهلا (٢) إذ أعجبتك جنتك حين دخلتها، ونظرت إليها، حمدت الله على ما أنعم به عليك، وأعطاك من المال، والولد ما لم يعط غيرك، وقلت: الأمر ما شاء الله، والكائن ما قدره الله، ليكون ذلك منك اعترافا بالعجز، وبأن كل خير بمشيئة الله، وفضله، وهلا قلت لا قوّة إلا بالله إقرارًا بأنّ ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها فإنما هو بمعونة الله وتأييده.

وبعد أن نصح الكافر بالإيمان، وأبان له عظيم قدرة الله، وكبير سلطانه، أجابه عن افتخاره بالمال، والنفس وردّ على قوله: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} فقال: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَدًا} وخدمًا في الدنيا أصله: إن ترني، والرؤية إما بصرية فـ {أَقَلَّ} حال، وإما علمية فهو مفعول ثان، والأول ياء المتكلم المحذوفة، وأنا على كلا التقديرين. تأكيد للياء.

وقرأ الجمهور (٣): {أَقَلَّ} بالنصب مفعولًا ثانيًا لـ {تَرَنِ} إن كانت، علميةً أو حالًا إن كانت بصريةً، وقرأ عيسى بن عمر، {أقل} بالرفع على أن تكون {أَنَا} مبتدأ، و {أقل} خبره، والجملة في موضع مفعول {تَرَنِ} الثاني: إن كانت علمية، وفي موضع الحال إن كانت بصرية، ويدل قوله: {وَوَلَدًا} على أن قول صاحبه {وَأَعَزُّ نَفَرًا} عنى به الأولاد إذ قابل كثرة المال بالقلة، وعزة النفر بقلة الولد

٤٠ - {فَعَسى رَبِّي}؛ أي: فلعل ربي {أَنْ يُؤْتِيَنِ}، أي: أن يعطيني أصله


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.