للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لِأَبِيهِ}؛ أي: واذكر يا محمد لقومك قصة إذ قال إبراهيم - عليه السلام - لأبيه آزر متلطفاً في الدعوة، مسهلًا له {يَا أَبَتِ}؛ أي: يا أبي فإن التاء عوض عن ياء الإضافة، ولذلك لا يجتمعان في أفصح اللغات، فلا يقال: يا أبتي لامتناع الجمع بين العوض والمعوض عنه، ولا يقال أيضًا: يا أبتا في أفصح اللغات، لكون الألف بدلًا من الياء، كما بسطنا البحث عن ذلك في رسالتنا "هدية أولي العلم والإنصاف في إعراب المنادى المضاف" وقرأ ابن عامر، والأعرج، وأبو جعفر. {يا أبت} بفتح التاء، وقد لحن هارون هذه القراءة، وفي مصحف عبد الله {واأبت} بواوٍ بدل ياءٍ، ذكره في "البحر".

والاستفهام في قوله: {لِمَ تَعْبُدُ} للإنكار والتوبيخ، واللام فيه حرف جر دخلت على ما الاستفهامية، كما يدخل عليها غيرها من حروف الجر في قولك: بم، وعلام، وفيم، وإلام، ومم، وعم، وحذفت ألفها فرقًا بينها وبين ما الموصولة، إذا دخل عليها حرف الجر وقيل استعمال الأصل فيها، و (ما) في قوله: {مَا لَا يَسْمَعُ} عبارةُ (١) عن الصور والتماثيل؛ أي: يا أبي لم تعبد الأصنام والتماثيل التي لا تسمع ثناءَك وتضرعك لها عند عبادتك لها، مريدًا بها الثواب {وَلَا يُبْصِرُ} خضوعك وخشوعك بين يديه، وما تفعله من عبادته مريدًا بها الثواب، ويجوز (٢) أن يُحمل نفي السمع والإبصار على ما هو أعم من ذلك؛ أي: لا يسمع شيئًا من المسموعات، ولا يُبصر شيئًا من المبصرات {وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا}؛ أي: ولا ينفعك شيئًا من الأشياء، فلا يجلب لك نفعًا، ولا يدفع عنك ضررًا، أو ولا يدفع عنك شيئًا من عذاب الله، لا في الدنيا ولا في الآخرة، فـ {شَيْئًا} مفعول به، أو ولا يغنيك شيئًا من الإغناء، وهو القليل منه، فـ {شَيْئًا} مصدر؛ أي: ولأي شيء، ولأي سببٍ تعبدها، مع أن فيها ما يقتضي عدم عبادتها، وهو عدم سمعها وبصرها اهـ. شيخنا.


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.