للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قومه، فسلخوا جلدة رأسه، فخيَّره الله فيما شاء من عذابهم، فاستعفاه ورضي بثوابه {إِنَّهُ}؛ أي: إن إسماعيل {كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ}؛ أي: وافيه فيما بينه وبين الله، وكذا فيما بينه وبين الناس، ووصف الله - سبحانه وتعالى - إسماعيل بصدق الوعد، مع كون جميع الأنبياء كذلك؛ لأنه كان مشهورًا بذلك، مبالغًا فيه، وناهيك بأنه وعد الصبر من نفسه على الذبح، فوفى بذلك حيث قال: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} قيل (١) إنه لم يعد شيئًا إلا وفي به. قيل: إنه وعد رجلًا أن يقوم مكانه حتى يرجع الرجل، فوقف إسماعيل مكانه ثلاثة أيام للميعاد حتى رجع إليه الرجل، وقيل: إنه وعد نفسه الصبر على الذبح فوفى به، فوصفه الله بهذا الخلق الحسن الشريف، سئل الشعبي عن الرجل يعد الرجل ميعاداً إلى أي وقت ينتظر، فقال: إن وعده نهارًا .. فكل النهار، وإن وعده ليلًا .. فكل الليل، وسئل بعضهم عن مثل ذلك فقال: إن وعده في وقت صلاة ينتظر إلى وقت صلاة أخرى.

والوعد (٢): عبارة عن الإخبار بإيصال المنفعة قبل وقوعها، والوعيد الإخبار بإيصال الضرر قبل وقوعه، والعرب لا تعد عيبًا ولا خلفًا، إن يعد أحد شرًا .. لا يفعله، بل ترى ذلك كرمًا وفضلًا، كما قيل.

وَإِنِّيْ إِذَا أَوْعَدْتُهُ أوْ وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفٌ إِيْعَادِيْ وَمُنْجِزٌ وَعْدِيْ

وقيل:

إِذَا وَعَدَ السَّرَّاءَ نَجَّزَ وَعْدَهُ ... وَإِنْ أَوْعَدَ الضَّرَّاءَ فَالْعَقْلُ مَانِعُهْ

وفي الحديث: "من وعد لأحد على عمله ثوابًا .. فهو منجز له، ومن أوعده على عمله عقابًا .. فهو بالخيار". وفي الآية حث على صدق الوعد والوفاء به، والأصل فيه: نيته؛ لقوله - عليه السلام -: "إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي فلم يف ولم يجيء للميعاد .. فلا إثم عليه".

ومعنى الآية: واتل (٣) أيها الرسول على قومك صفات أبيهم إسماعيل،


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.