للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذكر الرحمن في هذه السورة في ستة عشر موضعًا اهـ شيخنا. وقيل (١): المراد بالآية الدعاء بالمد، والنفيس، قال الزجاج: تأويله أن الله سبحانه جعل جزاء ضلالته أن يتركه ويمده فيها؛ لأن لفظ الأمر يؤكد معنى الخبر، كان المتكلم يقول: أفعل ذلك وآمر به نفسي. انتهى.

وقال: بعضهم معنى {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا}؛ أي (٢): فليستدرجه الرحمن استدراجًا بمد عمره، وتوسيع ماله، وتكثير ولده، أو فليمهله الرحمن إمهالًا بمد راحته على الطغيان، وإيصال نعمته على وجه الإحسان حتى يقع في العقاب والعذاب، على سبيل التدريج لا التعجيل، فيكون عقابه وعذابه أكمل وأشمل أثرًا وألمًا؛ لأن الأخذ على طريق التدريج والنعمة، أشد منه على سبيل التعجيل والنقمة، مع أن مبدأ المد مطلقًا هو الرحمن دون القهار أو الجبار؛ لأن كلاً منهما مبدأ الشدة، ولذلك عبر به لا بغيره، هذا هو الخاطر ببالي في وجه التعبير بالرحمن، وإن كانت أشدية عقاب الرحمن وجهاً، لكن وجه أشدية عقابه ما ذكرنا؛ لأنه إذا أراد العقاب .. يأتي به على وجه الرحمة والنعمة، فيكون كدراً بعد الصفاء، وألمًا بعد الراحة، وشدةً بعد الرخاء، فهذا أقوى أثرًا، والحاصل: أنه لا يتصور وقوع المد المذكور، إلا من الرحمن؛ لأنه أصله ومنشؤه. انتهى كلامه.

وقوله: {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ} (٣) غاية للمد الممتد، وجمع الضمير في الفعلين باعتبار معنى من، كما أن الإفراد في الضميرين الأولين باعتبار لفظها؛ أي: من كان في الضلالة يمد له الرحمن مدًا، ويستدرجهم استدراجًا، حتى إذا رأوا ما يوعدون من الله، وقوله: {إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ} تفصيل للموعود على سبيل البدل، فإنه إما العذاب أو الساعة؛ أي: حتى إذا رأوا الموعود لهم، إما العذاب الدنيوي، بغلبة المسلمين، واستيلائهم عليهم، وتعذيبهم إياهم قتلًا وأسرًا، وإما يوم القيامة وما ينالهم فيه من الخزي والنكال، على طريقة الخلو


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.