للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكفار مع آلهتهم في الآخرة .. ذكر مالهم مع الشياطين في الدنيا، وأنهم يتولونهم وينقادون لهم فقال: {أَلَمْ تَرَ}؛ أي: ألم تعلم يا محمد {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ}؛ أي: سلطنا الشياطين {عَلَى الْكَافِرِينَ} ومكناهم من إضلالهم بسبب سوء اختيارهم، حال كون تلك الشياطين {تَؤُزُّهُمْ}؛ أي: تؤز الكافرين وتغريهم وتهيجهم على المعاصي {أَزًّا}؛ أي: تهييجًا شديدًا. بأنواع الوساوس والتسويلات، فإن الأز والهز والاستفزاز أخوات، معناها: شدة الإزعاج وفي "العيون" الإز في الأصل: هو الحركة مع صوتٍ متصل من أزيز القدر؛ أي: غليانه.

والمعنى (١): تحثهم وتحرضهم على المعاصي تحريضًا شديدًا وفي الآية دليل على أن الله تعالى مدبر لجميع الكائنات.

وخلاصة ما سلف (٢): تعجيب رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - مما حكته الآيات السالفة عن هؤلاء الكفرة، من تماديهم في الغي، وانهماكهم في الضلال، وتصميمهم على الكفر، بدون راعٍ ولا زاجرٍ، ومدافعتهم للحق مع وضوحه، وتنبيه له إلى أن ذلك إنما كان بإضلال الشياطين وإغوائهم، لا لقصور في التبليغ، وفي هذا تسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - وتهوين للأمر على نفسه

٨٤ - {فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ}؛ أي: فلا تستعجل يا محمد بطلب العقوبة عليهم حسبما تقتضيه جناياتهم، حتى تستريح أنت والمؤمنون من شرورهم، وتطهر الأرض من فسادهم، يقال: عجلت عليه بكذا إذا استعجلته منه، ثم علل سبحانه هذا النهي بقوله: {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ} أيام آجالهم {عَدًّا}؛ أي: لا تعجل بهلاكهم فإنه لم يبق لهم إلا أيام محصورة، وأنفاس معدودة، فنجازيهم بها؛ أي (٣): نعد لهم الليالي والأيام والشهور والأعوام، وقيل: الأنفاس التي يتنفسونها في الدنيا، إلى الأجل الذي أجل لعذابهم، وكان ابن عباس - رضي الله عنهما - إذا قرأها .. بكى وقال: آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخول قبرك. وعن ابن السماك، أنه كان عند


(١) الخازن.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.