للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والانفراد .. آنس المؤمنين بأنه سيجعل لهم في ذلك اليوم {وُدًّا} فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} بالله وصدقوا برسله، وبما جاؤوهم به من عنده {وَعَمِلُوا} الأعمال {الصَّالِحَاتِ} بامتثال المأمورات، واجتناب المنهيات {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} , أي: محبة الناس لهم في الدنيا؛ أي: سيحدث لهم في القلوب محبةً من غير تعرض منهم لأسبابها، من قرابةٍ أو صداقةٍ أو اصطناع معروفٍ أو غير ذلك، سوى ما لهم من الإيمان والعمل الصالح، تخصيصًا لأوليائه بهذه الكرامة، كما قذف في قلوب أعدائهم الرعب، إعظاماً لهم؛ أي: إن الله تعالى وعدهم أن يؤلف بين قلوبهم في الدنيا إذا ظهر الإِسلام، وأن يحببهم إلى خلقه يوم القيامة بما يظهر من حسناتهم، وينشر من ديوان أعمالهم على رؤوس الأشهاد، والسين: إما لأن السورة مكية، وكان المؤمنون حينئذٍ ممقوتين بين الكفرة، فوعدهم الله ذلك إذا قوي الإِسلام، وإما أن يكون ذلك يوم القيامة يحببهم الله إلى خلقه بما يظهر من حسناتهم.

وقرأ الجمهور (١): {وُدًّا} بضم الواو وقرأ أبو الحارث الحنفي: بفتحها وقرأ جناح بن حبيش، {وداً} بكسر الواو،

٩٧ - ثم ذكر سبحانه تعظيم القرآن، خصوصًا هذه السورة، لاشتمالها على التوحيد والنبوة، وبيان حال المعاندين فقال: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ}؛ أي: فإنما سهلنا هذا القرآن {بِلِسَانِكَ}؛ أي: إنزاله على لغتك (٢) (والباء): بمعنى (على) و (الفاء): لتعليل أمر ينساق إليه النظم الكريم، كأنه قيل بعد إيحاء السورة الكريمة: بلِّغ هذا المنزل، وبشر به وأنذر، وإنما يسرناه بلسانك العربي المبين، ثم علل ما ذكره من التيسير فقال: {لِتُبَشِّرَ بِهِ}؛ أي: بهذا القرآن {الْمُتَّقِينَ} بالجنة؛ أي: المتلبسين بالتقوى، المتصفين بها، أو الصائرين إلى التقوى بامتثال ما فيه من الأمر والنهي {وَتُنْذِرَ بِهِ}؛ أي: ولتخوف بهذا القرآن {قَوْمًا لُدًّا}؛ أي: شديدي الخصومة، لا يؤمنون به لجاجًا وعنادًا بالعذاب، يقال: أنذره بالأمر إنذاراً، أعلمه وحذره وخوفه في إبلاغه، كما في "القاموس" واللد: جمع الألد وهو الشديد الخصومة، اللجوج المعاند،


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.