للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{ثُمَّ هَدَى}؛ أي: ثم أرشده كيف ينتفع بما أعطاه، ويرتفق به، وكيف يصل بذلك إلى بقائه وكماله، إما اختيارًا كما في الحيوان، وإما طبعًا كما في النبات والجماد، أو ألهمه كيف يأتي الذكر والأنثى.

وخلاصة هذا (١): ربنا الذى خلق كل شيء على الوجه الذي يليق بما قدر له من المنافع والخواص، وأرشده كيف ينتفع بما خلق له، وجعل ذلك دليلًا على وجوده، وعظيم جوده، وكأنه يقول له: إن ذلك الخالق والهادي هو الله.

٥١ - ولما كان (٢) الخلق الذي هو عبارة عن تركيب الأجزاء، وتسوية الأجسام، متقدمًا على الهداية، التي هى عبارة عن إيداع القوى المحركة المدركة في تلك الأجسام، وسَّط بينهما كلمة التراخي، وبعد أن أخبر موسى فرعون بأن ربه الذي أرسله هو الذى خلق ورزق وقدر، شرع فرعون يحتج بالقرون الأولى، الذين لم يعبدوا هذا الإله، وهذا ما أشعار إليه بقوله: {قَالَ} فرعون {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى}؛ أي: فما حال القرون الماضية؟ وما خبر الأمم الخالية؟ مثل قوم نوح، وعاد، وثمود، وماذا جرى عليهم من الحوادث المفصلة؟ وما للاستفهام الاستخباري، والبال: الحال التي يُكترث بها, ولذا يقال: ما باليت بكذا؛ أي: ما اكترثت به، ويعبر به عن الحال الذي ينطوي عليه الإنسان، فيقال: ما خطر ببالي كذا، والقرون: القوم المقترنون في زمن واحد، والأولى: تأنيث الأول، وواحد الأول، كالكبرى والأكبر، والكبر؛ أي: فما حال الأمم الماضية، الذين لم يعبدوا الله، بل عبدوا غيره، فإنها كانت تعبد الأصنام، وتنكر البعث، إنما قال (٣) فرعون ذلك لموسى حين خوَّفهم مصارع الأمم الخالية، فحينئذ قال فرعون: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} أو ما حالهم عندك، كيف هلكوا، وماذا جرى عليهم من الحوادث المفصله؟ أي: فلما ذكر (٤) موسى - عليه السلام - برهانًا نيرًا على هذا المطلوب .. خاف فرعون أن يزيد موسى في تصوير تلك الحجة، فيظهر للناس صدقه - عليه السلام - وحقيقة مقالاته، ويتبين عندهم بطلان خرافات


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الخازن.
(٤) المراح.