للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

١ - أنكم آمنتم له قبل البحث والتفكير، فإيمانكم لم يكن عن بصيرة وأناة، فلا يُعتد به.

٢ - أنكم تلاميذه في السحر، فتواطأتم على أن تظهروا العجز من أنفسكم، ترويجاً لدعوته، وتفخيمًا لأمره. وبعد أن أورد هذه الشبهة، اشتغل بالتهديد، تنفيرًا لهم من الإيمان, وتحذيرًا لغيرهم عن الاقتداء بهما، فقال: {فَلَأُقَطِّعَنَّ}؛ أي: فوالله لأقطعن {أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} حالة كونها {مِنْ خِلَافٍ}؛ أي: مختلفات في الاسم والصفة؛ لأنها إذا خالف بعضها بعضًا، بأن هذا يد وذاك رجل، وهذا يمين وذاك يسار .. فقد اتصفت بالاختلاف، وتعيين القطع وكيفيته لكونه أفظع من غيره، والمعنى لأقطعن من كل شق طرفًا، وهو أن يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، لا يدين ولا رجلين، ولا يمنين ولا يسارين، وصيغة (١) التفعيل في قطع: للتكثير، وكذا في الفعل الآتي، والقطع: فصل شيءٍ مدركًا بالبصر كالأجسام، أو مدركًا بالبصيرة كالأشياء المعقولة، و {مِنْ} فيه لابتداء الغاية, أي: ابتداء القطع من مخالفة العضو العضو، لا من وفاقه إياه، وإنما اختار ذلك دون القطع من وفاق لأن فيه إهلاكًا وتفويتًا للمنفعة {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}؛ أي: على جذوع النخل وأصولها، زيادةً في إيلامكم، وتشهيرًا بكم، والصلب: الذي هو تعليق الإنسان للقتل، قيل: هو شد صلبه على خشب؛ أي: على أصول النخل في شاطىء النيل.

وأراد بالتقطيع والتصليب في الجذوع (٢): التمثيل بهم، ولما كان الجذع مقرًا للمصلوب، واشتمل عليه اشتمال الظرف على المظروف .. عُدّي الفعل بفي التي للوعاء، وقيل: {فِي}: بمعنى على، وقيل: نقر فرعون الخشب، وصلبهم في داخله، فصار ظرفًا لهم حقيقةً، حتى يموتوا فيه جوعًا وعطشًا، ومن تعدية صلب بفي قول الشاعر:

وَهُمْ صَلَبُوْا الْعَبْدِىَّ فِىْ جِذْعِ نَخْلَةٍ ... فَلاَ عَطَسَتْ شَيْبَانُ إِلَّا بِأَجْدَعَا


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.