للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإلا فعل بهم ما أوعدهم به، وإلى أن (١) القوم شاهدوا في رؤية الآيات أنوار الذات والصفات، فهان عليهم عظائم البليات، ومن آثر الله على الأشياء .. هان عليه ما يلقى في ذات الله، وقد قال بعض الكبار: ليخفف عنك ألم البلاء علمُك بأن الله هو المبتَلي.

والمعنى: أي قالوا لن نختار اتباعك، وكوننا من حزبك، وسلامتنا من عذابك على ما جاءنا من البينات، وهي: المعجزة التي أتتنا، وعلمنا صحتها، وفي قولهم هذا توهين له، واستصغار لما هددهم به، وعدم اكتراثٍ بقوله، وفي نسبة المجيء إليهم، وإن كانت البينات جاءت لهم ولغيرهم؛ لأنهم كانوا أعرف بالسحر من غيرهم، وقد علموا أن ما جاء به ليس بسحر، فكانوا على جلية من العلم بالمعجز، وغيرهم يقلدهم في ذلك، وأيضًا فكانوا هم الذين حصل لهم النفع بها، وكانت بيناتٍ واضحةً في حقهم.

وقوله: {وَالَّذِي فَطَرَنَا}؛ أي: خلقنا وسائر المخلوقات، معطوف على ما جاءنا؛ أي: لن نختارك على ما جاءنا به موسى من البينات، وعلى عبادة الذي فطرنا وتأخيره لأن ما في ضمنه آية عقلية نظرية، وما شاهدوه آية حسية ظاهرة.

والحاصل: أنه لما لاحت لهم حجة الله في المعجزة .. بدؤوا بها، ثم ترقوا إلى القادر على خرق العادة، وهو الله تعالى، وذكروا وصف الاختراع، وهو قولهم: {وَالَّذِي فَطَرَنَا} تبييناً لعجز فرعون، وتكذيبه في ادعاء ربوبيته وإلاهيته، وهو عاجز عن صرف ذبابة، فضلًا عن اختراعها، وقيل: الواو للقسم، وجوابه: محذوف لدلالة المذكور عليه؛ أي: وحق الذي فطرنا لا نؤثرك، ولا يكون {لَنْ نُؤْثِرَكَ} جوابًا؛ لأنه لا يجاب في النفي بلن إلا في شاذ من الشعر، وقوله: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} جواب عن تهديده بقوله: {لأقطعن} .. الخ؛ أي: فأصنع ما أنت صانعه، أو احكم فينا ما أنت فيه حاكم، من القطع والصلب، وفي "التأويلات النجمية"؛ أي: فاحكم وأجر علينا ما قضى الله لنا في الأزل من


(١) المراح.