للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كذلك في مصحف الإِمام، و (الهمزة) في قوله: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} للاستفهام التوبيخي، المضمن للإنكار، داخلة على محذوف، و (الفاء): عاطفة على ذلك المحذوف كما مر نظائره مراراً، والتقدير: أأقمت بين هؤلاء الذين عبدوا العجل، فعصيت وخالفت أمري لك بالقيام لله، ومنابذة من خالف دينه، وعبارة "روح البيان" هنا: و (الهمزة) للإنكار التوبيخي و (الفاء): عطف على مقدر، يقتضيه المقام؛ أي: أخالفتني فعصيت أمري بالصلابة في الدين، والمحاماة عليه، كما عصى هؤلاء القوم أمري، فإن قوله - عليه السلام -: {اخْلُفْنِي} متضمن للأمر بهما حتمًا، فإن الخلافة لا تتحقق إلا بمباشرة الخليفة ما كان يباشره. المستخلف لو كان حاضرًا. اهـ.

٩٤ - فلما أقام بينهم (١)، ولم يبالغ في الإنكار عليهم .. نسبه إلى عصيانه ومخالفة أمره، فترفق هارون في خطاب موسى استعطافاً له، وترقيقًا لقلبه، إذ أضافه إلى الأم مع كونه أخاه لأبيه وأمه، حيث امتلأ موسى غضبًا مما رأى، وألقى ما في يده من الألواح، وأخذ برأس أخيه يجره إليه، فـ {قَالَ} هارون {يا ابن أم لا تأخذ بـ} شعر {لحيتي ولا بـ} شعر {رأسي}، وقد روي: أن موسى أخذ شعر رأسه بيمينه، ولحيته بشماله، وكان - عليه السلام - شديدًا غضوبًا لله تعالى، وقد شاهد مشاهد، وغلب على ظنه تقصير هارون - عليه السلام - ففعل ما فعل، والأم (٢) بإزاء الأب، وهي الوالدة القريبة التي ولدته، والبعيدة التي ولدت من ولدته، ويقال لكل ما كان أصلًا لوجود شيء أو تربيته أو إصلاحه أو مبدئه {أمَّ} وأصله: يا ابن أمي: أبدلت الياء ألفًا فقيل: يا ابن أما، ثم حذف الألف واكتفي بالفتحة لكثرة الاستعمال، وطول اللفظ، وثقل التضعيف. وقرىء: {يا ابن أم} بالكسر بحذف الياء، والاكتفاء بالكسرة، وقد مر اختلاف القراء فيه في سورة الأعراف، وخص الأم بالإضافة استعظاماً لحقها، وترقيقًا لقلبه، واعتدادًا لنسبها، وإشارةً إلى أنهما من بطن واحد، وإلا فالجمهور على أنهما لأب وأم، قال بعض الكبار: كانت نبوة هارون من حضرة الرحمة، كما قال


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.