للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كان من ذلك ذكر قصة آدم، وذكر شيء من أحواله فيها لم يتقدم ذكرها، فكان في ذلك مزيد علم له عليه الصلاة والسلام.

وعبارة المراغي هنا: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر أنه صرَّف الوعيد في القرآن، وكرره لعلهم يتقون، أو يحدث لهم ذكرًا .. أردف (١) ذلك ببيان أنهم لم يلتفتوا إلى ذلك، ونسوه كما لم يلتفت أبوهم آدم إلى الوعيد، ونسي العهد، فمخالفتهم قديمة، وعرقهم فيها راسخ، ثم فصَّل عهده لآدم، وبيَّن كيف نسيه، وفقد العزم، ثم ذكر عصيان إبليس للسجود لآدم، وتحذيره من الخروج من الجنة إذا اتبع نصائحه، وهو بعد كل هذا قد أطاع وساوسه، وقبل إرشاده، فأكل من الشجرة التي نهي عن الأكل منها، فأخرج من الجنة مع إعلامه بأن الشيطان عدو له ولذريته.

ثم بيَّن أن من جاءه الهدى من ربه، واتبعه .. عاش في الدنيا قرير العين، هادىء البال، ويؤتى في الآخرة ما شاء الله أن يؤتى، من ألوان النعيم والسعادة، ومن أعرض عن ذلك .. عاش في الدنيا عيشةً ضنكًا، إذ هو لشدة حرصه عليها يخاف انتقاصها، ومن ثم يغلب عليه الشح والبخل، ويفعل كل منكر في سبيل جمع المال من أي وجه كان، ولا يبالي أمن حلال كان أم من حرام، أما المؤمن الذي لا يعنيه جمع حطام الدنيا، فإنه في سرور وراحةٍ، قل ماله أو كثر، ثم أردف هذا ببيان سبب ذلك، وهو إعراضه في الدنيا عن الآيات البينات التي تهديه إلى سبيل الرشاد، ومن ثم يسير في جهالته إلى يوم القيامة، وهذا مما يوجب له أشد الآلام الروحية، من حين مماته إلى حين الحشر، وهكذا يجازي الله المسرفين المكذبين بآياته في الدنيا والآخرة، جزاءً وفاقًا لما اجترحوا من السيئات، وارتكبوا من الذنوب والآثام، كما قال سبحانه: {لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (٣٤)}.

قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ ...} الآيات، مناسبة


(١) المراغي.