للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: وعزتي وجلالي، لقد أمرنا آدم ووصيناه بأن لا يأكل من الشجرة، وهي المعهودة، وسيأتي بيانها بعد هذه الآية {مِنْ قَبْلُ}؛ أي: من قبل هذا الزمان {فَنَسِيَ} العهد ولم يهتم به حتى غفل عنه، والنسيان بمعنى: عدم الذكر، أو تركه ترك المنسي عنه، قال الراغب: النسيان: ترك الإنسان ضبط ما استودع، إما لضعف قلبه، وإما عن غفلة أو عن قصد، حتى ينحذف عن القلب ذكره، وكل نسيان من الإنسان ذمه الله تعالى به فهو ما كان أصله عن تعمد، وما عذر فيه. وأما ما روي من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" فهو ما لم يكن سببه منه، والوجود في قوله: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} يجوز (١) أن يكون بمعنى العلم، ومفعولاه حينئذٍ {لَهُ عَزْمًا} وقدم الثاني على الأول لكونه ظرفًا، وأن يكون نقيض العدم، كأنه قال: وعدمنا {لَهُ عَزْمًا} وهذا هو الأنسب بالمقام.

والمعنى (٢)؛ لم نعلم له، أو لم نصادق له تصميم رأي، وثبات قدم في الأمور، ومحافظةً على ما أمر به، وعزيمةً على القيام به، إذ لو كان كذلك لما أزله الشيطان، ولما استطاع تغريره، وكان ذلك منه في بدء أمره من قبل أن يجرب الأمور، ويتولى قارّها وحارّها، ويذوق شريّها وأريّها, لا من نقصان عقله، فإنه أرجح الناس عقلًا، كما قال - عليه السلام -: "لو وزنت أحلام بني آدم بحلم آدم لرجح حلمه" وقد قال الله تعالى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} ومعنى هذا: أن آدم مع ذلك أثر فيه وسوسته، فكيف في غيره، قيل: لم يكن النسيان في ذلك الوقت مرفوعًا عن الإنسان، فكان مؤاخذًا به، وإنما رفع عنا معشر الأمة المحمدية.

قال أبو الفتح البستي في الإعتذار من النسيان إلى بعض الرؤساء:

يَا أَكْثَرَ النَّاسِ إِحْسَانَاً إِلَى النَّاسِ ... يَا أَحْسَنَ الْخَلْقِ إِعْرَاضَاً عَنْ الْبَاسِ


(١) روح البيان.
(٢) الكشاف.
(٣) روح البيان.