للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عدوًا له، وفيه إشارة إلى أن كل من حسد أحدًا يكون عدوًا، ويريد هلاكه ويسعى في إفساد حاله.

والثاني: أنه كان شابًا عالمًا، وإبليس شيخاً جاهلًا؛ لأنه أثبت فضيلته بفضيلة أصله، وأنه جاهل، والشيخ الجاهل يكون أبدًا عدو الشاب العالم.

الثالث: أنه مخلوق من النار، وآدم من الماء والتراب، وبين أصليهما عداوة فبقيت العداوة بينهما {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ}؛ أي: فلا يكونن إبليس سببًا لإخراجكما من الجنة، فهو من قبيل إسناد الفعل إلى سببه، وإلا فالمخرج حقيقةً هو الله سبحانه وتعالى، وظاهره: وإن كان نهى إبليس عن الإخراج، إلا أن المراد نهيهما عن أن يكونا بحيث يتسبب الشيطان في إخراجهما منها بالطريق البرهاني {فَتَشْقَى}؛ أي: فتتعبا بمتاعب الدنيا، التي لا تكاد تحصى، فهو جواب النهي.

وخلاصة ذلك (١): إياك أن تسعى في إخراجك منها، فتتعب وتشقى في طلب رزقك، وأنت هاهنا في عيش رغدٍ هنيء، بلا كلفةٍ ولا مشقةٍ، ولم يقل: فتشقيا؛ لأن الكلام من أول القصة مع آدم وحده، فهو المخاطب فاكتفى به، أو لأنه الكاسب، فكان التعب في حقه أكثر، ذكره الماوردي، أو لأن إسناد الشقاء إليه لرعاية الفواصل، ولأصالته فيه، وفي "القاموس" الشقاء: الشدة والعسر، ويمد. انتهى.

فالمعنى (٢): لا تباشر أسباب الخروج، فيحصل الشقاء، وهو: الكد والتعب الدنيوي، مثل الحرث والزرع والحصد والطحن والعجن والخبر ونحو ذلك، مما لا يخلو الناس في أمر تعيشهم، ويؤيده ما بعد الآية، وعن ابن جبير: أهبط له ثور أحمر، يحرث عليه فيأكل بكد يمينه، وعرق جبينه.

١١٨ - ثم علل ما يوجبه ذلك النهي بما فيه الراحة الكاملة عن التعب والاهتمام فقال: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا} {لَكَ} خبر {إِنَّ} و {أَلَّا تَجُوعَ} في محل النصب


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.