للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على الاسمية؛ أي: قلنا له: إن حالك يا آدم، ما دمت في الجنة عدم الجوع، إذ النعم كلها حاضرةً فيها {وَلَا تَعْرَى}؛ أي: وإن لك فيها أن لا تعرى من الثياب، لأن الملبوسات كلها موجودة في الجنة، والعري: تجرد الجلد عما يستره، وقرأ (١) أبيّ بن كعب {لا تُجوع} {ولا تُعرى} بالتاء المضمومة والألف

١١٩ - {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ} ولا تعطش {فِيهَا}؛ أي: في الجنة؛ لأن العيون والأنهار جارية على الدوام {وَلَا تَضْحَى}؛ أي: لا يصيبك حر الشمس في الجنة، إذ لا شمس فيها، وأهلها في ظلٍ ممدودٍ، يقال: ضحيَ الرجل للشمس بكسر الحاء: إذا برز وتعرّض لها، و {أن} بالفتح مع ما في حيزها: عطف على {أَلَّا تَجُوعَ} وفصل (٢) الظمأ عن الجوع، دفعاً لتوهم أن نفيهما نعمة واحدة، وكذا الحال في الجمع بين العري والضحو.

والمعنى (٣): أي لا يكون لك في الجنة جوع ولا عري، ولا ظمأ ولا إصابة بحر الشمس، وقرن بين الجوع والعري أولًا؛ لأن في الجوع ذل الباطن، وفي العري ذل الظاهر، وبين حر الباطن وهو العطش، وحر الظاهر وهو الضحى ثانيًا، فنفى الله عن ساكن الجنة ذل الظاهر والباطن، وحر الظاهر والباطن، وقد ذكر الله (٤) سبحانه هاهنا أنه قد كفاه الاشتغال بأمر المعاش، وتعب الكد في تحصيله، ولا ريب أن أصول المتاعب في الدنيا هي تحصيل الشبع، والري، والكسوة، والسكن، وما عدا هذه ففضلات يمكن البقاء بدونها، وهو إعلام من الله سبحانه لآدم أنه إن أطاعه .. فله في الجنة هذا كله، وإن ضيَّع وصيته، ولم يحفظ عهده .. أخرجه من الجنة إلى الدنيا، فيحل به التعب والنصب، بما يدفع الجوع والعري، والظمأ والضحو، فالمراد بالشقاء: شقاء الدنيا، كما قاله كثير من المفسرين، لا شقاء الأخرى، قال الفراء: هو أن يأكل من كد يديه، وقرأ شيبة، ونافع، وحفص، وابن سعدان: {وإنك لا تظمأ} بكسر همزة {وإنك} وقرأ الجمهور: ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص


(١) زاد المسير.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٤) الشوكاني.