للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لكل منهما بسبب تساقط حلل الجنة عنهما لما أكلا من الشجرة، قال ابن عباس: إنهما عريا عن النور الذي كان الله ألبسهما إياه، حتى بدت فروجهما، وقيل (١): وكان لباسهما الظفر، فلما أصاب الخطيئة .. نزع عنهما، وتركت هذه البقايا في أطراف الأصابع، وعن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن أباكم آدم كان رجلًا طويلًا كالنخلة السحوق، كثير الشعر مواري العورة، فلما واقع الخطيئة .. بدت سوءته، فانطلق في الجنة هاربًا، فمر بشجرة فأخذت بناصيته فأجلسته، فناداه ربه: أفرارًا منى يا آدم؟ قال: لا يا رب، ولكن حياءً منك" {وَطَفِقَا}؛ أي: شرع آدم وحواء {يَخْصِفَانِ}؛ أي: يلزقان ويطبقان {عَلَيْهِمَا}؛ أي: لأجل ستر سوآتهما، فـ {على} تعليلية {مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ}؛ أي: من ورق أشجار الجنة، وهو ورق التين على ما قيل؛ أي: يلزقان ويضمان ورق التين بعضه ببعض، ورقةً ورقةً حتى يصير طويلًا عريضًا يصلح للاستتار به، كلما ألزقا بعضه ببعض تساقط، قيل: كان مدورًا فصار على هذا الشكل من تحت أصابعهما.

المعنى: أي (٢) فأكل آدم وحواء من الشجرة التي نهيا عن الأكل منها، وأطاعا أمر إبليس، وخالفا أمر ربهما، فانكشفت عورتهما وكانت مستورةً عن أعينهما، فشرعا يلزقان ورق التين عليهما، ليغطيا جسمهما {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ}؛ أي: خالف نهي ربه باكله من الشجرة؛ لأنه اعتقد أن النهي عن شجرة معينة، وأن غيرها ليس منهيًا عنه {فَغَوَى}؛ أي: ضل عن مطلوبه الذي هو الخلود في الجنة، وخاب من نعيم الجنة، فلم يصب بأكله من الشجرة ما أراده؛ لأنه إنما أكل منها ليصير ملكه دائمًا، فلما أكل .. زال ملكه وخاب سعيه، أو ضل عن المأمور به، وهو التباعد عن الشجرة في ضمن {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} أو عن الرشد، حيث اغتر بقول العدو؛ لأن الغي خلاف الرشد، وقيل: فسد عليه عيشه بنزوله إلى الدنيا، ومعنى {عصى آدم ربه}؛ أي (٣): خالف نهيه، فالعصيان: هو


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) الفتوحات.