للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومعنى الآية (١): أن الله عز وجل، جعل لمن اتبع هداه وتمسك بدينه، أن يعيش في الدنيا عيشًا هنيئًا، غير مهموم ولا مغموم، ولا متعبٍ نفسه، كما قال سبحانه {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} وجعل لمن أَتبع هواه وأعرض عن دينه، أن يعيش عيشًا ضيقًا في تعب ونصب، مع ما يصيبه في هذه الدنيا من المتاعب، فهو في الآخرة أشد تعبًا، وأعظم ضيقًا، وأكثر نصبًا، وذلك معنى قوله: {وَنَحْشُرُهُ}؛ أي: المُعْرِض؛ أي: نبعثه {يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}؛ أي: فاقد البصر، وقيل: أعمى عن جهات الخير، لا يهتدى إلى شيء منها، أو جاهلًا بوجود الحق، كما كان جاهلًا في الدنيا؛ أي (٢): فإذا خرج هو من القبر .. خرج بصيرًا. فإذا سيق إلى المحشر .. عَمَى، فإذا دخل النار .. زال عماه، ليرى محله وحاله.

وقرأ الجمهور (٣): {وَنَحْشُرُهُ} بالنون، وفرقة منهم أبان بن تغلب: بسكون الراء، فيجوز أن يكون تخفيفًا، ويجوز أن يكون جزمًا بالعطف على موضع {فإن له معيشة ضنكا} لأنه جواب الشرط، وقرأت فرقة {ويحشره} بالياء، وقرى {ويحشره} بسكون الهاء على لفظ الوقف.

وقصارى ذلك (٤): أن الله سبحانه، جعل لمن اتبع هداه، وتمسك بدينه العيش الهنيء، الذي لا هم فيه ولا غم، وجعل لمن أعرض عن دينه التعب والنصب، وهو في الآخرة أشد تعبًا، وأعظم ضيقًا، وأكثر ألمًا

١٢٥ - {قَالَ} المعرض الذي حُشر أعمى، استئناف بياني {رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي} وبعثتني - استفهام استخباري - حالة كوني {أَعْمَى}؛ أي: فاقد البصر {و} الحال أني {قد كنت بصيرًا}، أي: ذا بصر في الدنيا؛ أي: {قَالَ} المعرض {رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى} عن حجتي وعن رؤية الأشياء على حقيقتها، {وَقَدْ كُنْتُ} في الدنيا ذا بصر بذلك كله، ونحو الآية قوله تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا}.


(١) الشوكاني.
(٢) المراح.
(٣) البحر المحيط.
(٤) المراغي.