للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للحق، وأضأنا له سبيل الرشاد، وأنقذناه من بين قومه، من عباد الأصنام، وقال الفراء: أعطيناه هداه، من قبل النبوة والبلوغ، اهـ، أي: وفقناه للنظر والاستدلال. لمَّا جنّ عليه الليل، فرأى الشمس والقمر والنجم، وعلى هذا جرى كثير من المفسرين.

والرشد (١): خلاف الغي، وهو الابتداء لمصالح الدين والدنيا، وكماله يكون بالنبوة؛ أي: بالله لقد آتينا بجلالنا وعظيم شأننا إبراهيم الخليل - عليه السلام -، الرشد اللائق به، وبأمثاله من الرسل الكبار، على ما أفادته الإضافة من قبل؛ أي؛ من قبل إيتاء موسى وهارون التوراة، وتقديم زكريا إيتائها، لما بينه وبين إنزال القرآن من الشبه التام {وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ}؛ أي؛ وكنا عالمين، بأنه أهل لما آتيناه، من الرشد والنبوة، وتقديم الظرف، لمجرد الاهتمام، مع رعاية الفاصلة، ونظير الآية قوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}.

وقرأ الجمهور: (٢) {رشده} بضم الراء وسكون الشين، وقرأ عيسى الثقفي: {رشده} بفتح الراء والشين، وأضاف الرشد إلى إبراهيم، بمعنى: رُشْدَ مِثْله، وهو رشد الأنبياء، وله شأن؛ أي: شأن. أو المعنى: وكنا عالمين بأنه ذو يقين، وإيمان بالله، وتوحيد له، لا يشرك به شيئًا، فهو جامع لأحاسن الفضائل، ومكارم الأخلاق، وجميل الصفات.

٥٢ - والظرف في قوله: {إِذْ قَالَ} متعلق بآتينا، على أنه وقت متسع، وقع فيه الإيتاء، وما ترتب عليه من أفعاله وأقواله. أو بمحذوف، تقديره: اذكر حين قال إبراهيم {لِأَبِيهِ} آزر، والظاهر، من عدم التعرض لأمه، كونها مؤمنةً، كما يدل عليه تبريه وامتناعه من أبيه دونها {وَقَوْمِهِ} نمرود ومن اتبعه.

والمراد من قومه (٣): أهل بابل بالعراق، وهي بلاد معروفة، من عبادان إلى


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.