للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مقصده، وهو إلزامهم الحجة على ألطف وجه، وأحسنه، مع حملهم على التأمل في شأن آلهتهم.

ومجمل كلامه: أن شديد غضبي من تعظيمكم له، حملني على أن أفعل هذا، والفعل كما ينسب إلى المباشر له، ينسب إلى الباعث عليه، فهذا الصنم الأكبر، قد كان السبب في استهانتي بهم، وتحطيمي إياهم؛ أي: قال إبراهيم مقيمًا للحجة عليهم، مبكتاً لهم: بل فعله كبيرهم هذا، مشيرًا إلى الصنم الذي تركه، ولم يكسره {فَاسْأَلُوهُمْ}؛ أي: فاسألوهم؛ أي: فاسألوا هؤلاء الأصنام المكسورة، عن كاسرهم ليخبروكم به {إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ}؛ أي (١): إن كانوا ممن يمكنه النطق، ويقدر على الكلام، ويفهم ما يقال له، فيجيب عنه بما يطابقه، أراد عليه السلام، أن يبيّن لهم، أن من لا يتكلم، ولا يعلم، ليس بمستحق للعبادة، ولا يصح في العقل، أن يطلق عليه أنه إله، فأخرج الكلام مخرج التعريض لهم، بما يوقعهم في الاعتراف، بأن الجمادات التي عبدوها، ليست بآلهة؛ لأنهم إذا قالوا: إنهم لا ينطقون، قال لهم: فكيف تعبدون من يعجز عن النطق، ويقصر عن أن يعلم، بما يقع عنده، في المكان الذي هو فيه، فهذا الكلام، من باب فرض الباطل مع الخصم، حتى تلزمه الحجة، ويعترف بالحق، فإن ذلك أقطع لشبهته، وأدفع لمكابرته.

وفي الحديث المتفق عليه (٢): "لم يكذب إبراهيم النبي قط، إلّا ثلاث كذبات" سميت المعاريض كذبًا، لمَّا شابهت صورتها صورته، وإلّا فالكذب الصريح كبيرة، فالأنبياء معصومون منها. فإن قلت: إذا كانت هذه معاريض، لم جعلها سببًا في تقاعده عن الشفاعة، حين يأتي الناس إليه، يوم القيامة؟ قلت: الذي يليق بمرتبة النبوة والخلة، أن يصدع بالحق، ويصرح بالأمر، ولكنه قد تنزّل إلى الرخصة، فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين.

والتعريض: تورية الكلام عن الشيء بالشيء، وهو أن تشير بالكلام إلى


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.