للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تجارب الأيام، فمن حقكم أن تعاودوا الرأي وتقلبوه ظهراً لبطن، لعلكم ترشدون بعد الضلال، وتهتدون بعد الغيّ والعمى.

قال ابن عطاء (١): دعا الله تعالى عباده إليه، وقطعهم عما دونه بقوله: {أَفَتَعْبُدُونَ ...} إلخ كيف تعتمده وهو عاجز مثلك، ولا تعتمد من إليه المرجع، وبيده الضرُّ والنفع. قال حمدون القصَّار: استغاثة الخلق بالخلق، كاستغاثة المسجون بالمسجون. وقال بعض الكبار: طلبك من غيره لوجود بعدك عنه، إذ لو كنت حاضرًا بقلبك معه، ما صح منك توجه لغيره، وكل ما دون الله، خوض ولعب، فالتعلق به زور وكذب، فدع الكل جانبًا، وتعلق بمولاك حتمًا، تجده في كل مهم وغيره مغنيًا، وعند كل شيء حقًا يقينًا، جعلنا الله ممن تعلق به بلا علة، وعافانا من الذلة والزلة والقلة.

٦٨ - ولما بان عجزهم عن مجادلته، وحصحص الحق لجؤوا إلى الغلظة واستعمال القسوة فـ {قَالُوا}؛ أي: قال بعضهم لبعض، والقائل ملكهم نمرود بن كنعان. وقيل: القائل، رجل من أكراد فارس، اسمه هينون، خسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة {حَرِّقُوهُ}؛ أي: حرّقوا إبراهيم بالنار، واتفقت كلمتهم على إحراقه لأنه أشدّ العقوبات {وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ} بالانتقام لها؛ أي: انتقموا منه لآلهتكم {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} نصرها، ولا تريدون خذلانها وترك عبادتها.

ذكر القصة في ذلك

فلما (٢) اجتمع نمرود وقومه، لإحراق إبراهيم، حبسوه في بيت، وبنوا بنيانًا كالحظيرة بقرية يقال لها "كُوشْى" - بضم الكاف، قريةٌ بالعراق -: ثم جمعوا له أصلاب الحطب، وأصناف الخشب مدة شهر، حتى كان الرجل يمرض، فيقول: لئن عوفيت لأجمعن حطبًا لإبراهيم، وكانت المرأة تنذر في بعض ما تطلب: لئن أصابته، لتحطبن في نار إبراهيم، وكانت المرأة تغزل وتشتري الحطب بغزلها، احتسابًا في دينها، وكان الرجل يوصي بشراء الحطب من ماله لإبراهيم، فلما


(١) روح البيان.
(٢) الخازن.