للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حلةً، فلما قام، جعل يلتفت، فلا يرى شيئًا مما كان له من الأهل والولد والمال إلّا وقد ضاعفه الله تعالى، حتى روي أن الماء الذي اغتسل منه تطاير على صدره جراداً من ذهب، فخرج حتى جلس على مكان مشرف، ثم إن امرأته قالت في نفسها: هب أنه طردني أفأتركه حتى يموت جوعًا، وتأكله السباع. لأرجعنّ إليه، فلما رجعت ما رأت تلك الكناسة، ولا تلك الحال، وقد تغيرت الأمور، فجعلت تطوف حيث كانت الكناسة وتبكي، وهابت صاحب الحلة، أن تأتيه وتسأله عنه، فأرسل إليها أيوب ودعاها فقال: ما تريدين يا أمة الله؟ فبكت وقالت: أردت ذلك المبتلى الذي كان ملقى على الكناسة، فقال لها أيوب عليه السلام: ما كان منك؟ فبكت وقالت: بعلي، فقال: أفتعرفينه إذا رأيتيه؟ قالت: وهل يخفى، فتبسم وقال: أنا هو، فعرفته بضحكه، فاعتنقته، ثم قال: إنك أمرتني أن أذبح سخلة لإبليس، وإني أطعت الله، وعصيت الشيطان، ودعوت الله تعالى، فردني على ما ترين،

٨٤ - وذلك قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ}؛ أي: أجبنا له دعاءه {فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ}؛ أي: أزلنا منه ما به من الضرر، من مرض وهزال، وقد كان الذي نزل به امتحانًا من الله، واختبارًا له؛ أي: شفاه الله مما كان به. وأعاضه بما ذهب عليه، ولهذا قال سبحانه: {وَآتَيْنَاهُ}؛ أي: وأعطينا أيوب في الدنيا {أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} أي (١): مثل أهله عددًا مع زيادة مثل آخر، فولد له من الأولاد ضعف ما كان. قيل (٢): تركهم الله، عز وجل له، وأعطاه مثلهم في الدنيا. قال النحاس: والإسناد بذلك صحيح، وقد كان مات أهله جميعًا إلَّا امرأته، فأحياهم الله في أقل من طرف البصر، وآتاه مثلهم معهم، وانتصاب {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} على العلة؛ أي: آتيناه ذلك لرحمتنا له {وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}؛ أي: وتذكرة لغيره من العابدين، ليصبروا كما صبر، فيثابوا كما أثيب في الدنيا والآخرة؛ أي: آتيناه ما ذكر لرحمتنا إياه بالرحمة الخاصة، وتذكرة، وعبرة لغيره، من العابدين، ليعلموا بذلك كمال قدرتنا، ويصبروا كما صبر أيوب، فيثابوا كما أثيب.


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.