للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بغيره؛ أي: فإنه ظن أنه مخير، إن شاء أقام، وإن شاء خرج، وأنه تعالى لا يضيق عليه في اختياره، فأتى بحر الروم، فوجد قومًا هيؤوا سفينة، فركب معهم، فلما توسطت السفينة البحر وقفت، ولم تجر بحال، فقال الملاحون: هاهنا رجل عاص، أو عبد آبق؛ لأن السفينة لا تكون هكذا إلّا، وفيها رجل عاص، أو آبق، ومن عادتنا إذا ابتلينا بهذا البلاء أن نقترع، فمن وقعت عليه القرعة ألقيناه في البحر، فاقترعوا ثلاث مرات، فوقعت القرعة فيها كلها على يونس، فقال: أنا الرجل العاصي والعبد الآبق، وألقى بنفسه في البحر، فجاء حوت فابتلعه، فأوحى الله تعالى إلى ذلك الحوت: لا تأكل له لحمًا، ولا تهشم له عظمًا، فإنه ليس رزقًا لك، وما جعلتك له إلا سجنًا، لا طعامًا.

وقرأ الجمهور: {نَقْدِرَ} بنون العظمة مخففًا. وقرأ ابن أبي ليلى وأبو شرف والكلبي وحميد بن قيس ويعقوب: بضم الياء وفتح الدال مخففًا. وعيسى والحسن: بالياء مفتوحة وكسر الدال. وعلي بن أبي طالب واليماني: بضم الياء وفتح القاف والدال مشددة. والزهري: بالنون مضمومة وفتح القاف وكسر الدال مشددة.

وبناء المفاعلة في قوله: {مُغَاضِبًا} ليس على بابه (١)، فلا مشاركة كعاقبت اللص، وسافرت، بل للدلالة على كمال غضبه والمبالغة فيه، ويحتمل أن تكون على بابها من المشاركة؛ أي: غاضب قومه، وغاضبوه، حين لم يؤمنوا في أول الأمر، اهـ كرخي.

والفاء في قوله: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ}: عاطفة على محذوف تقديره: فاقترعوا فخرجت عليه القرعة، فرموه في البحر، فالتقمه الحوت، فنادى في الظلمات؛ أي: في ظلمات بطن الحوت والبحر والليل. وقيل: ابتلع حوته حوت آخر فحصل في ظلمتي بطن الحوتين وظلمة البحر والليل. وقال الشيخ السمرقندي في تفسيره "بحر العلوم": وعندي - والله أعلم - أن تلك الظلمات


(١) الفتوحات.