للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المراد (١) به المسجد نفسه، كما هو الظاهر من هذا النظم القرآني، وقيل: الحرم كله؛ لأن المشركين صدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، عنه يوم الحديبية، وقيل: المراد به مكة؛ أي: ويمنعون المؤمنين عن دخول المسجد الحرام؛ أي: المحترم من كل وجه، فلا يصاد صيده ولا يقطع شوكه ولا يسفك فيه الدماء.

{الَّذِي جَعَلْنَاهُ} صفة للمسجد؛ أي: صيرناه حال كونه معبدًا وقبلة {لِلنَّاسِ} كائنًا من كان، من غير فرق بين مكي وآفاقي. {سَوَاءً} مفعول ثان لـ {جَعَلْنَا}؛ أي: جعلناه مستويًا فيه، {الْعَاكِفُ فِيهِ} الملازم له {وَالْبَادِ}؛ أي: الواصل إليه من البادية. والمراد به الطارىء عليه، من غير فرق بين كونه من أهل البادية، أو من غيرهم. والعاكف مرتفع بسواء؛ لأنه بمعنى مستوٍ، وصف المسجد الحرام بذلك، لزيادة التشنيع والتقريع والتوبيخ للصادين عنه، وهذا على قراءة النصب، وبها قرأ حفص عن عاصم والأعمش. وقرأ الجمهور (٢): برفع {سواء} على أنه مبتدأ وخبر، والجملة في موضع المفعول الثاني، والأحسن أن يكون العاكف والبادي. هو المبتدأ و {سواء} الخبر، وقد أجيز العكس. وقرأ فرقة، منهم الأعمش في رواة القطعي ويعقوب بنصب {سواءً}، وجر العاكف على أنه صفة للناس؛ أي: جعلناه للناس العاكف والبادي سواء. وأثبت الياء في البادي ابن كثير وصلا ووقفًا، وحذفها أبو عمرو في الوقف، وحذفها نافع في الوصل والوقف.

واختلفوا في معنى الآية (٣)، فقيل: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} في تعظيم حرمته وقضاء النسك به، وإليه ذهب مجاهد والحسن، وجماعة قالوا: والمراد منه نفس المسجد الحرام. ومعنى التسوية: هو التسوية في تعظيم الكعبة، وفي فضل الصلاة فيه والطواف به.

وعن جبير بن مطعم، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا بني عبد مناف، لا تمنعوا


(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.