للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٣٩ - ولما هاجر المؤمنون إلى المدينة، أذن الله لهم في القتال، كما قال {أُذِنَ}؛ أي: رخص في القتال {لِلَّذِينَ}؛ أي: للمؤمنين الذين {يُقَاتَلُونَ} بفتح التاء على صيغة المجهول؛ أي: يقاتلهم المشركون {بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} أي: بسبب أنهم ظلموا، وهم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان المشركون يؤذونهم، وكانوا يأتونه - صلى الله عليه وسلم - بين مضروب ومشجوج، ويتظلمون إليه، فيقول لهم عليه السلام: "اصبروا، فإني لم أومر بالقتال"، حتى هاجروا، فنزلت، وهي أول آية نزلت في القتال، بعدما نهي عنه في نيفٍ وسبعين آية. كما رواه الحاكم في "المستدرك" عن ابن عباس.

وهذه الجملة مقررة أيضًا لمضمون قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ} فإن إباحة القتال لهم، هي من جملة دفع الله عنهم. والباء في {بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} للسببية؛ أي: رُخّص للمؤمنين، وأبيح لهم أن يقاتلوا المشركين، بسبب أنهم ظلموا، بما كان يقع عليهم من المشركين من سب وضرب، وطرد.

وقرأ (١) نافع وعاصم وأبو عمرو بضم همزة {أُذِنَ} مبنيًا للمفعول، وفتح باقي السبعة مبنيًا للفاعل. وقرأ نافع وابن عامر وحفص {يُقَاتَلُونَ} بفتح التاء مبنيًا للمفعول والباقون بكسرها مبنيًا للفاعل. والمأذون فيه محذوف؛ أي: في القتال، كما مر، لدلالة يقاتلون عليه. وعلى كلا القراءتين فالإذن من الله تعالى لعباده المؤمنين، بأنهم إذا صلحوا للقتال، أو قاتلهم المشركون قاتلوهم.

ثم وعدهم الله سبحانه بالنصر، والغلبة على المشركين، بعدما وعدهم بدفع أذاهم وتخليصهم من أيديهم، فقال: {وَإِنَّ اللَّهَ} سبحانه {عَلَى نَصْرِهِمْ}؛ أي: نصر المؤمنين الذين يقاتلون في سبيله {لَقَدِيرٌ}؛ أي: لقادر وقد فعل، فأعزهم، ورفعهم، وأهلك عدوهم، وأذلهم بأيديهم. وفي هذا الأسلوب مبالغة عظيمة، زيادة في توطين عزائم المؤمنين وتثبيتهم على الجهاد في سبيله.

والقدير (٢): هو الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضي الحكمة، لا زائدًا عليه، ولا ناقصًا عنه. ولذلك لا يصح أن يوصف به غير الله تعالى.


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.