للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأمر والشان ذلك الذي قصننا عليكم وبينا لكم، من إنجاز الوعد للمهاجرين خاصة إذا قتلوا أو ماتوا، والجملة (١) لتقرير ما قبله، والتنبيه على أن ما بعده كلامٌ مستأنفٌ.

والمعنى: أي (٢) ذلك الرزق الحسن والمدخل الكريم، لمن قتلوا في سبيل الله، أو ماتوا، ولهم أيضًا النصر في الدنيا على أعدائهم. وإلى ذلك أشار بقوله: {وَمَنْ عَاقَبَ} وجازى الظالم {بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ}؛ أي: بمثل ما ظلمه، ولم يزد في الاقتصاص على ذلك المثل، والمراد بالمثلية أنه اقتصر على المقدار الذي ظلم به، ولم يزد عليه، والعقوبة (٣) في الأصل اسم لما يعقب الجرم من الجزاء، وإنما سمي الابتداء بالعقاب الذي هو جزاء الجناية؛ أي: مع أنه ليس بجزاء يعقب الجريمة للمشاكلة، كقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} وكقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} أو على سبيل المجاز المرسل، فإنه ما وقع ابتداءً سببٌ لما وقع جزاء وعقوبة، فسمي السبب باسم المسبب.

{ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ}؛ أي: اعتدى عليه؛ أي: إن الظالم في الابتداء عاوده بالمظلمة بعد تلك المظلمة الأولى. قيل: المراد بهذا البغي هو ما وقع من المشركين من إزعاج المسلمين من أوطانهم، بعد أن كذبوا نبيهم، وآذوا من آمن به. واللام في قوله: {لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ} موطئة للقسم؛ أي: وعزتي وجلالي لينصرن الله المبغي عليه؛ أي: المظلوم على الباغي؛ أي: الظالم لا محالة وهو خبر من.

وقيل (٤): إن معنى {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ}؛ أي: ثم كان المجازي مبغيًا عليه؛ أي: مظلوماً ومعنى (ثم) تفاوت الرتبة؛ لأن الابتداء بالقتال معه نوع ظلم، كما


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٤) الشوكاني.