للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قيل في أمثال العرب: البادي أظلم.

والمعنى: أي (١) وإن من جازى من المؤمنين بمثل ما عوقب به ظلمًا من المشركين، فقاتلهم كما قاتلوه، ثم بغي عليه باضطراه إلى الهجرة، ومفارقة الوطن .. لينصرنه الله الذي لا يغالب، ولينتقمن له من أعدائه، ولينكلن بهم، ويمكننه منهم، ويجعل كلمته العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.

والخلاصة: أنه تعالى كما يدخلهم مدخلًا كريماً، يعدهم بالنصر على أعدائهم، إذا هم قاتلوهم، وبغوا عليهم، وأخرجوهم من ديارهم.

{إِنَّ اللَّهَ} الذي أحاطت قدرته بكل شيء {لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}؛ أي: لكثير العفو والغفران للمؤمنين، فيما وقع منهم من الذنوب. وقيل: العفو والغفران لما وقع من المؤمنين، من ترجيح الانتقام على العفو؛ أي: ليعفو عن المؤمنين فيغفر لهم ما أمعنوا فيه من الانتقام، وما أعرضوا عنه مما ندب من العفو؛ بمثل قوله: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)} وقوله: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} وقوله: {وأن تعفو أقرب للتقوى} وهم بفعلهم هذا تركوا ما كان أجدر بهم وأحرى بمثلهم.

والخلاصة: كأنه سبحانه قال: عفوت عن هذه الإساءة وغفرتها لهم؛ لأني أذنت بها.

وفي "بحر العلوم" (٢): {لَعَفُوٌّ}؛ أي: محاء للذنوب بإزالة آثارها من ديوان الحفظة والقلوب بالكلية كي لا يطالبهم بها يوم القيامة، ولا يخجلوا عند تذكرها، وبأن يثبت مكان كل ذنب عملًا صالحًا، كما قال: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} {غَفُورٌ}؛ أي: مريد لإزالة العقوبة عن مستحقها، من الغفر، وهو الستر؛ أي: ستور عليهم، وقدم العفو؛ لأنه أبلغ لأنه يشعر بالمحو الذي هو أبلغ من الستر، وفيه إشارة إلى أن الأليق بالمنتصر، والأقرب بحاله، أن يعفو


(١) المراغي.
(٢) للسمرقندي.