للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العدل، وأعماه عن الرشد، أو يعمي العين عن النظر إلى مساويه، ويُصِمُّ الأذن عن استماع العذل فيه، أو يعمي، ويُصِمُّ عن الآخرة، وفائدته: النَّهي عن حُبِّ ما لا ينبغي الإغراق في حُبِّه، ثُمَّ في هذه (١) القصة إشارةٌ إلى أنّه لا يجوز الاعتماد إلّا على فضل الله سبحانه وتعالى ورحمته، فإنَّ العصمة من آثار حفظ الله تعالى. {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ} قرأ الجمهور بالتشديد من علَّم المُضعَّف، وقرأ طلحة بن مصرِّف: {وما يُعْلِمَان} من أعلم، وقالت طائفةٌ: بالتضعيف وبالهمزة بمعنًى واحدٍ ذكره في "البحر"؛ أي: وما يُعلِّم الملَكان أحدًا من الناس السحر، فمن (٢) مزيدةٌ في المفعول به؛ لإفادة تَأْكيد الاستغراقِ الذي يفيده أحدٌ، والمعنى: ولكن الشياطين كفروا يعلِّمون الناس ما أنزل على الملكين، ويحملونهم على العمل به؛ إغواءً وإضلالًا، والحال أنَّ الملكين ما يُعلِّمان ما أنزل عليهما من السحر أحدًا من طالبيه {حَتَّى} يَنْصَحاه أوَّلًا، ويَنْهَيَاه عن العمل به، والكفر بسببه، و {يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ} وابتلاءٌ من الله تعالى، فمن عمل بما تعلَّم مِنَّا، واعتقد حقيته كفر، ومن توقَّي عن العمل به، أو اتخذه ذريعةً للاتقاء عن الاغترار بمثله بقي على الإيمان، والفتنةُ: الاختبارُ والامتحانُ، يقال: فتنت الذهب، كالبَليَّةِ، والمعصيةِ، والقتل، والعذاب، وغير ذلك من الأفعال الكريهة، وقد تكون الفتنة في الدين مثل الارتداد والمعاصي، وإكراه الغير على المعاصي، وأُفردت الفتنةُ مع تعدُّد الملكين؛ لكونها مصدرًا، وحَمْلُها عليهما؛ مُوَاطأةٌ للمبالغةِ، كأنَّهما نفس الفتنة، والقَصْرُ؛ لبيان أنّه ليس لهما فيما يتعاطيانه شأنٌ سِواهُ؛ لينصرف الناس عن تعلُّمه {فَلَا تَكْفُرْ} بتعلُّمِه، واعتقادِ حقيته مع أنّه ليس بباطلٍ شرعًا، وجوازِ العمل به، ويقولان ذلك سَبْع مراتٍ، فإن أبى إلّا التعلُّم علَّماه.

أي: فلا تتعلَّم السحر (٣)، ولا تعمل به؛ لأنَّ عمله كفرٌ باللهِ؛ أي: لا يصفان السحر لأحدٍ حتى يبذلا - النصيحةَ له أوَّلًا، فيقولا لَهُ: هذا الذي نَصِفُه


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) عمدة التفاسير.