للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السحر هو المؤثِّر في ذلك، بل بحَسَب جري العادة الإلهية، من خلق المسببَّات عقيب حصول الأسباب العاديَّة ابتلاءً منه تعالى، كما يدل عليه قوله سبحانه الآتي: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} تعالى، قوله: {وَزَوْجِهِ} ظاهره أنه يريد امرأة الرجل، وقيل: الزوج هنا: الأقارب والإخوان، وهم الصنف الملائم للإنسان، ومنه: {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} ذكره في "البحر".

قال السدي (١): كانا يقولان لمن جاءهما: إنّما نحن فتنة فلا تكفر، فإن أبى أن يرجع قالا له: ائت الرَّماد فَبُلْ فيه، فإذا بال فيه خرج نورٌ يَسْطَعُ إلى السماء، وهو الإيمان، والمعرفةُ، وينزل شيءٌ أسود شِبهُ الدُّخان، فيدخل في أذنيه، ومسامعه، وهو الكفر، وغضبُ الله، فإذا أخبرهما بما رآه من ذلك، علَّماه ما يفرِّق به بين المرء وزوجه، ويقدر الساحر على أكثر ممَّا أخبر الله عنه من التفريق؛ لأنَّ ذلك خُرِّج على الأغلب. قيل: يُؤخذ الرجلُ عن المرأة بالسحر لا يقدر على الجماع. قال في نصابِ الاحتساب: إنَّ الرجل إذا لم يَقْدِر على مجامعة أهله، وأطاق ما سواها، فإنّ - المُبْتلى بذلك يأخذ حُزْمَة قصبات، ويطلب فأسًا ذا فقارين، ويضعه في وسط تلك الحزمة، ثم يؤجِّجُ نارًا في تلك الحزمة، حتى إذا أُحمي الفأس استخرجه من النار، وبال على حدّه، يبرأ بإذن الله تعالى. انتهى.

والآية (٢) لا ترشد إلى حقيقة ما يتعلَّمُونه من السحر أمؤثرٌ بطبعه، أو بسببٍ خفيٍّ، أو بخارقٍ من خوارق العادات، أم غير مؤثّر؟ كما أنَّها لم تُبيِّن نوعَ ما يتعلَّمونه، أتمائمٌ وكتابةٌ هو، أم تلاوةُ رُقًى وعزائمَ، أم أسَالِيب سِعَايةٍ، أم دسَائسُ تنفيرٍ ونكايةٍ، أم تأثيرٌ نفسانيٌّ أم وسواسٌ شيطانيٌّ؟ فأيُّ ذلك أثبته العِلْمُ، كان تفِصيلًا لما أَجْملَه القرآن، ولا نتَحكَّم في حَمْله على نوعٍ منها، ولو علم الله الخَيْر في بيَانهِ لبينه، ولكنَّه وَكَل ذلك إلى بُحُوث الناس، وارتقائهم في العلم، فهو الذي يُجلِّي الغوامضَ، ويكشف الحقائق {وَمَا هُمْ}؛ أي: ليس السَّاحرون


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.