للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

دان لملك عابدًا له. وقيل: يحتمل أنه كان يدعي الألوهية، فدعى الناس إلى عبادته فأطاعوه.

أي: فقال فرعون وملؤه: كيف ندين لموسى وأخيه، وبنو إسرائيل قومهما خدمنا وعبيدنا يخضعون لنا، ويتلقون أوامرنا؛ وما قصدوا بهذا إلا الإهانة بهما. والحط من قدرهما، وبيان أن مثلهما غير جدير بمنصب الرسالة، وقد قاسوا الشرف الديني، والإمامة في تبليغ الوحي عن الله تعالى، بالرياسة الدنيوية المبنية على نيل الجاه والمال.

وهم في هذا أشبه بقريش، إذ قالوا: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١)} وقد فاتهم أن مدار أمر النبوة، والإصطفاء للرسالة، إنما هو السيق في الفضائل النفسية والصفات السنية، التي يتفضل الله بها على من يشاء من عباده، فالأنبياء لصفاء نفوسهم، يتصلون بالعالم العلوي وعالم المادة، فيتلقون الوحي من الملأ الأعلى، ويبلغونه إلى البشر، ولا يعوقهم التعلق بمصالح الخلق عن التبتل والانقطاع إلى حضرة الحق.

وإن تعجب من شيء، فاعجب لهؤلاء وأمثالهم، ممن لم يرض النبوة للبشر، كيف سوغت لهم أنفسهم ادعاء الألوهية للحجر {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.

٤٨ - ثم ذكر سبحانه عاقبة أعمالهم وما آل إليه أمرهم فقال: {فَكَذَّبُوهُمَا}؛ أي (١): ناصر فرعون وملؤه على تكذيب موسى وهارون، واستمروا عليه {فَكَانُوا}؛ أي: فصاروا {مِنَ الْمُهْلَكِينَ} بالغرق في بحر القلزم (البحر الأحمر)؛ أي: فأهلكهم الله تعالى بالغرق، كما أهلك من أهلكهم من الأمم بفنون من العذاب بتكذيبهم لرسلهم.

ثم ذكر ما أولاه موسى بعد هلاكهم من التشريف والتكريم،

٤٩ - فقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا}؛ أي: وعزتي وجلالي، لقد أعطينا {مُوسَى} بعد إهلاكهم وإنجاء بني


(١) المراغي.