للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولو اتبع ووافق الحق الذي كرهوه، ومن جملته ما جاء به عليه السلام من القرآن. {أَهْوَاءَهُمْ}؛ أي: مشتهيات الكفرة، بأن جاء القرآن موافقًا لمراداتهم، فجعل موافقته اتباعًا على التوسع والمجاز {لَفَسَدَتِ} وخربت {السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنّ}، وقرأ ابن مسعود {وما بينهما} من الملائكة والإنس والجن، وخرجت عن الصلاح والانتظام بالكلية؛ لأن مناط النظام وما به قوام العالم، ليس إلا الحق الذي من جملته الإِسلام والتوحيد والعدل، ونحو ذلك. قال بعضهم (١): لولا أن الله أمر بمخالفة النفوس ومباينتها لاتبع الخلق أهواءهم وشهواتهم، ولو فعلوا ذلك، لضلوا عن طريق العبودية، وتركوا أوامر الله تعالى، وأعرضوا عن طاعته ولزموا مخالفته، والهوى يهوي بمتابعيه إلى الهاوية، انتهى. واعلم أن سبب (٢) فساد المكلفين من بني آدم ظاهر، وهو ذنوبهم التي من جملتها الهوى المخالف للحق، وأما فساد ما عداهم، فعلى وجه التبع؛ لأنهم مدبرون في الغالب بسبب العقول فلما فسدوا .. فسدوا.

والمعنى (٣): أي ولو سلك القرآن طريقهم، بأن جاء مؤيّدًا للشرك بالله، واتخاذ الولد تعالى الله عن ذلك وزين الآثام واجتراح السيئات .. لاختل نظام العالم كما جاء في قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}، ولو أباح الظلم وترك العدل .. لوقع الناس في هرج ومرج، ولوقع أمر الجماعات في اضطراب وفساد، والمشاهد في الأمم التي يفشو فيها التخاذل والذلة والمسكنة يؤول أمرها إلى الزوال، ولو أباح العدوان واغتصاب الأموال، وأن يكون الضعيف فريسة للقوي لما استتب أمن ولا ساد نظام، وحال العرب قبل الإِسلام شاهد صدق على ذلك.

ولو أباح الزنا لفسدت الأنساب، وما عرف والد ولده، فلا تتكون الأسر ولا يكون من يعول الأبناء، ولا من يبحث لهم عن رزق، فيكونون شردًا في الطرق لا مأوى لهم، ولا عائل يقوم بشؤونهم، وأكبر برهان على هذا ما هو


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) المرح.