للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والبيان لهم، قاله ابن عباس. وقرأ عيسى {بذكراهم} بألف التأنيث. وقرأ قتادة {نذكرهم} بالنون والتشديد مضارع ذكر من التذكير. وتكون الجملة على هذه القراءة في محل نصب على الحال. وقرأ (١) ابن مسعود وأبي بن كعب وأبو رجاء وأبو الجوزاء {بل آتيناهم بذكراهم فهم عن ذكراهم معرضون} بألف فيهما.

٧٢ - ثم بيَّن سبحانه أن دعوه نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ليست مشوبة بأطماع الدنيا فقال: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ} وأم هي المنقطعة، بمعنى همزة الإنكار التوبيخي، وبل التي للإضراب الانتقالي؛ لأنه انتقال من توبيخهم بما ذكر من قولهم، أم يقولون به جنة إلى التوبيخ بوجه آخر. والمعنى: أم يزعمون أنك تسألهم عن أداء الرسالة {خَرْجًا}؛ أي: جعلاً وأجرًا تأخذه منهم، فتركوا الإيمان بك، وبما جئت به لأجل ذلك، مع أنهم يعلمون أنك لم تسألهم ذلك ولا طلبته منهم، {فَخَرَاجُ رَبِّكَ} وثوابه {خَيْرٌ} لك، تعليل لنفي السؤال المستفاد من الإنكار؛ أي: لا تسألهم ذلك فإن رزق ربك الذي يرزقك في الدنيا، وأجره الذي يعطيكه في الآخرة خير لك مما ذكر لسعته ودوامه، ففيه استغناء لك من عطائهم، {وَهُوَ} سبحانه وتعالى {خَيْرُ الرَّازِقِينَ}؛ أي: خير من أعطى عوضًا على عمل؛ لأن ما يعطيه لا ينقطع ولا يتكدر. وهذه الجملة مقررة لخيرة خراجه تعالى.

وفي "التأويلات النجمية": فيه (٢) إشارة إلى أن العلماء بالله الراسخين في العلم، لا يدنسون وجوه قلوبهم الناضرة بدنس الأطماع الفاسدة الصالحة الدنيوية والأخروية، فيما يعاملون الله في دعوة الخلق إلى الله، بالله، لله.

وفي "الفتوحات المكية" مذهبنا أن للواعظ أخذ الأجرة على وعظه الناس، وهو من أحل ما يأكله، وإن كان ترك ذلك أفضل، إيضاح ذلك: أن مقام الدعوة إلى الله يقتضي الإجارة، فإنه ما من نبي دعا إلى الله إلا قال: إن أجري إلا على الله، فأثبت الأجر على الدعاء، ولكن اختار أن يأخذه من الله لا من المخلوق، انتهى.


(١) زاد المسير.
(٢) روح البيان.